حديث الطلب والإرادة - محمد المحمدي الجيلاني - الصفحة ٤٨
السابق
الأشياء كلها منعزلة عن العلية والتأثير والخواص والآثار، إلا عادة الله جرت بإيجاد الأشياء، كالإشراق عند طلوع الشمس ووجودها، والإحراق عقيب وجود النار، والإرادة والقدرة في الإنسان، والفعل عقيب الإرادة، والعلم بالنتائج عقيب الأقيسة، وإن الأشياء على السواء كلها في عدم التأثير، لكن الجاهل بالواقع يرى ترتب الآثار على المؤثرات غفلة عن حقيقة الأمر، حتى أن قوله: " كل إنسان حيوان وكل حيوان جسم " لا ينتج كل إنسان جسم، وتكون نسبته إلى النتيجة كنسبة قوله: " ضرب فعل ماض ويضرب فعل مضارع " إليها، إلا أنه جرت عادة الله على إيجادها عقيب الأولين لا الأخيرين؟
فالقائل بالتفويض يرى انعزاله تعالى عن التأثير مطلقا في غير المبادي (1)، والقائل بالجبر يرى انعزال الخلق عنه مطلقا (2) واستناد الكل إليه تعالى بلا وسط وعلى نحو المباشرة [16].
[16] أقول: إن القول بالتفويض والجبر لم يكن بدعا في الأمة الإسلامية، بل كان امتدادا للمذهبين العريقين في الديانات القديمة، فسرى في الأمة الإسلامية بعد امتزاجها بالأمم المغلوبة، كما أشرنا إليه في ابتداء هذا الشرح. وأما تعرف أول داع إلى كل منهما فمن العسير جدا.
قال في كتاب " نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام ": أما أول أصحاب مذهب الإرادة الحرة في الإسلام فهو معبد الجهني، وقد نشأ معبد في المدينة لا في البصرة، ثم انتقل إلى البصرة في أواخر حياته. وقد كان من تلامذة أبي ذر الغفاري، وكان أبو ذر من أعداء عثمان والأموية.
وقد أجمعت كتب العقائد الإسلامية على أن معبد الجهني هو أول من تكلم في القدر من المسلمين، وكان يعلن أنه لا قدر والأمر آنف.

١ - نقد المحصل: ٣٢٥، أنظر كشف المراد: ٣٠٨، وشرح المواقف ٨: ١٤٦.
٢ - شرح المقاصد ٤: ٢٢٣، أنظر شرح المواقف 8: 145.
(٤٨)
التالي
الاولى ١
١٦٧ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 7
2 في وصف المتكلم 12
3 فساد قول المعتزلة 15
4 شك ودفع: في وحدة إرادة الله وعلمه 19
5 تنبيه عرشي 21
6 فساد قول الأشاعرة 23
7 المطلب الأول ما هو المهم مما استدل به الأشعري على مطلوبه الأمر الأول: ثبوت الطلب نفسي في الأوامر الامتحانية 24
8 الأمر الثاني: حول تكليف الكفار 38
9 إيقاظ 41
10 الفصل الأول: في عنوان المسألة 44
11 الفصل الثاني: في إبطال المذهبين 50
12 الفصل الثالث: في بيان المذهب الحق 62
13 تنبيه: في شرك التفويضي وكفر الجبري 67
14 إرشاد: في استناد الأفعال إلى الله 75
15 تمثيل 79
16 تمثيل أقرب 79
17 تأييدات نقلية 80
18 الآيات 80
19 الروايات 83
20 الفصل الرابع: في ذكر بعض الشبهات الموردة ودفعها 93
21 حول إرادية الإرادة 93
22 تحقيق يندفع به الإشكال 98
23 تنبيه 103
24 حول قاعدة: الشئ ما لم يجب لم يوجد 104
25 حول علم الله تعالى واختيار الإنسان 114
26 المطلب الثاني في بيان حقيقة السعادة والشقاوة الأمر الأول: حول قاعدة " الذاتي لا يعلل " 121
27 الأمر الثاني: في فقر وجود الممكنات وعوارضه ولوازمه 126
28 الأمر الثالث: استناد الكمالات إلى الوجود 129
29 الأمر الرابع: في معنى السعادة والشقاوة 129
30 التحقيق: كون السعادة والشقاوة كسبيتين 131
31 المطلب الثالث في شمة من اختلاف خلق الطينات منشأ اختلاف النفوس 139
32 تنبيه حول مفاد بعض الأحاديث 156
33 خاتمة حول فطرة العشق إلى الكمال والتنفر عن النقص 159