الأسرار الفاطمية - الشيخ محمد فاضل المسعودي - الصفحة ٤٨٧
السابق
الجبال، وأضيع الحريم (1)، وأزيلت الحرمة عند مماته (2). فتلك والله النازلة الكبرى (3)، والمصيبة العظمى، لا مثلها نازلة ولا بائقة عاجلة (4) أعلن بها كتاب الله - جل ثناؤه - في أفنيتكم في ممساكم ومصبحكم (5) هتافا وصراخا وتلاوة وإلحانا (6)، ولقبله ما حل بأنبياء الله ورسله، حكم فصل (7) وقضاء حتم (8): " وما محمد إلا رسول قد خلت (9) من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم (10) ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين (11) " (12).

(١) حريم الرجل: ما يحميه ويقاتل عنه.
(٢) الحرمة: ما لا يحل انتهاكه. وفي بعض النسخ: " الرحمة " مكان " الحرمة ".
(٣) النازلة: الشديدة.
(٤) البائقة: الداهية.
(٥) فناء الدار، ككساء: العرصة المتسعة أمامها. والممسى والمصبح. بضم الميم فيها - مصدران وموضعان من الإصباح والامساء.
(٦) الهتاف، بالكسر: الصياح، والصراخ، كغراب: الصوت أو الشديد منه، والتلاوة، بالكسر:
القراءة والألحان: الإفهام يقال: ألحنه القول أي أفهمه إياه، ويحتمل أن يكون من اللحن بمعنى الغناء والطرب، قال الجوهري: " اللحن واحد الألحان واللحون، ومنه الحديث: اقرأوا القرآن بلحون العرب، وقد لحن في قرائته إذا طرد به وغرد، وهو ألحن الناس إذا كان أحسنهم قراءة أو غناء " انتهى. ويمكن أن يقرأ على هذا بصيغة الجمع أيضا، والأول أظهر. وفي الكشف: " فتلك نازلة أعلن بها كتاب الله في قبلتكم ممساكم ومصبحكم هتافا هتافا ".
(٧) الحكم الفصل: هو المقطوع به الذي لا ريب فيه ولا مرد له، وقد يكون بمعنى القاطع الفارق بين الحق والباطل.
(٨) والحتم في الأصل: إحكام الأمر، والقضاء الحتم هو الذي لا يتطرق إليه التغيير.
(٩) مضت.
(١٠) الانقلاب على العقب: الرجوع القهقري، أريد به الارتداد بعد الإيمان.
(١١) آل عمران: ١٤٤.
(12) الشاكرون: المطيعون المعترفون بالنعم الحامدون عليها. قال بعض الأماثل: واعلم أن الشبهة العارضة للمخاطبين، بموت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما عدم تحتم العمل بأوامره وحفظ حرمته في أهله، فإن العقول الضعيفة مجبولة على رعاية الحاضر أكثر من الغايب وإنه إذا غاب عن أبصارهم ذهب كلامه عن أسماعهم ووصاياه عن قلوبهم، فدفعها إشارة إليه صلوات الله عليه وآله - من إعلان الله جل ثناؤه وإخباره بوقوع تلك الواقعة الهايلة قبل وقوعها وأن الموت مما قد نزل بالماضين من أنبياء الله ورسله - تثبيتا للأمة على الإيمان، وإزالة لتلك الخصلة الذميمة عن نفوسهم. ويمكن أن يكون معنى الكلام. أتقولون مات محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعد موته ليس لنا زاجر ولا مانع عما، نريد ولا نخاف أحدا في ترك الانقياد للأوامر وعدم الانزجار عن النواهي. ويكون الجواب ما يستفاد من حكاية قوله سبحانه " أفإن مات أو قتل " الآية لكن لا يكون حينئذ لحديث إعلان الله سبحانه وإخباره، بموت الرسول مدخل في الجواب إلا بتكلف.
ويحتمل أن يكون شبهتهم عدم تجويزهم الموت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما أفصح عنه عمر بن الخطاب، وسيأتي في مطاعنه، فبعد تحقق موته عرض لهم شك في الإيمان، ووهن في الأعمال، فلذلك خذلوها وقعدوا عن نصرتها، وحينئذ مدخلية حديث الإعلان وما بعده في الجواب واضح. وعلى التقادير لا يكون قولها - صلوات الله عليها - " فخطب جليل " داخلا في الجواب ولا مقولا لقول المخاطبين على استفهام التوبيخي، بل هو كلا مستأنف لبث الحزن والشكوى، بل يكون الجواب ما بعد قولها " فتلك والله النازلة الكبرى "، ويحتمل أن يكون مقولا لقوهم، فيكون حاصلا شبهتهم أن موته صلى الله عليه وآله والذي هو أعظم الدواهي قد وقع، فلا يبالي بما وقع بعده من المحظورات، فلذلك لم ينهضوا بنصرها، والانتصاف ممن ظلمها. ولما تضمن ما زعموه كون مماته صلى الله عليه وآله أعظم المصائب سلمت عليها السلام أولا في مقام تلك المقدمة لكونها محض الحق ثم نبهت على خطابهم في أنها مستلزمة لقلة المبالاة بما وقع والقعود عن نصرة الحق وعدم اتباع أوامره صلى الله عليه وآله بقولها أعلن بها كتاب الله إلى آخر الكلام، فيكون حاصل الجواب: إن الله قد أعلمكم بها قبل الوقوع وأخبركم بأنها سنة ماضية في السلف من أنبيائه وحذركم الانقلاب على أعقابكم كيلا تتركوا العمل بلوازم الإيمان بعد وقوعها، ولا تهنوا عن نصرة الحق وقمع الباطل، وفي تسليمها ما سلمته أولا دلالة على أن كونها أعظم المصائب مما يؤيد وجوب نصرتي، فإني أنا المصاب بها حقيقة وإن شاركني فيها غيري، فمن نزلت به تلك النازلة الكبرى فهو بالرعاية أحق وأحرى.
ويحتمل أن يكون قولها عليها السلام " فخطب جليل " من أجزاء الجواب، فتكون شبهتهم بعض الوجوه المذكورة أو المركب من بعضها مع بعض، وحاصل الجواب حينئذ أنه إذا نزل بي مثل تلك النازلة وقد كان الله عز وجل أخبركم بها وأمركم أن لا ترتدوا بعدها على أعقابكم، فكان الواجب عليكم دفع الضيم عني والقيام بنصرتي. ولعل الأنسب بهذا الوجه ما في رواية ابن أبي طاهر من قولها " وتلك نازلة أعلن بها كتاب الله " بالواو دون الفاء.
ويحتمل أن لا تكون الشبهة العارضة للمخاطبين مقصورة على أحد الوجوه المذكورة بل تكون الشبهة لبعضهم بعضا وللأخرى أخرى، ويكون كل مقدمة من مقدمات الجواب إشارة إلى دفع واحدة منها.
أقول: ويحتمل أن لا تكون هناك شبهة حقيقية، بل يكون الغرض أنه ليس لهم في ارتكاب تلك الأمور الشنيعة حجة ومتمسك إلا أن يتمسك أحد بأمثال تلك الأمور الباطلة الواهية التي لا يخفى على أحد بطلانها. وهذا شايع في الاحتجاج.
(٤٨٧)
التالي
الاولى ١
٥٢٨ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الإهداء 4
2 تقريض في عام طبع الكتاب 6
3 تقديم 7
4 مقدمة المؤلف 20
5 تمهيد 22
6 البحث الأول التوسل والاستغاثة بالزهراء (ع) 23
7 البحث الثاني حقيقة السر المستودع 36
8 كتمان الأسرار 36
9 البحث الثالث فاطمة (ع) حجة الله الكبرى 60
10 الأمر الأول: معنى الحجة؟ 61
11 الأمر الثاني: شرعية الحجة 63
12 الأمر الثالث: كيف كانت فاطمة (ع) حجة على الأئمة (ع)؟ 66
13 البحث الرابع أصل يوم العذاب 79
14 في ظلامات فاطمة الزهراء (ع) 79
15 لماذا هذا البحث (أصل يوم العذاب..) 79
16 ما معنى أصل يوم العذاب؟ 80
17 الأمر الأول مقامات الزهراء (ع) 83
18 أ - مقامها (ع) عند الله تعالى 85
19 ب - مقامها (ع) عند الملائكة 86
20 ج - مقامها (ع) عند الأنبياء والنبي محمد (ص) 86
21 د - مقامها (ع) عند الأئمة (ع) 87
22 ه‍ - مقامها (ع) عند العلماء والمحدثين 88
23 ت - مقامها (ع) يوم القيامة 94
24 الأمر الثاني: ظلامات فاطمة الزهراء (ع) 96
25 تمهيد 97
26 الظلم لغة 98
27 الظلم عرفا 99
28 الظلم شرعا 99
29 البحث الخامس فاطمة الزهراء (ع) وعلاقتها بأصول الدين 123
30 موانع تصحيح العقيدة 124
31 فاطمة (ع) وعلاقتها بالتوحيد 126
32 فاطمة (ع) وعلاقتها بالنبوة 132
33 فاطمة (ع) والعدل الإلهي 135
34 فاطمة (ع) وعلاقتها بالإمامة 139
35 في خلقتها النورانية 146
36 في بدء خلقتها 147
37 في عرض ولايتها على الأشياء 148
38 في سبق دخولها الجنة 148
39 في كونها (ع) في حظيرة القدس 148
40 في جواز دخولها (ع) مسجد النبي 149
41 في سكونتها معهم في الجنة 149
42 في كونها ركنا لعلي (ع) 149
43 في إصابة نور الله لها 150
44 في كونها خير خلق الله تعالى 150
45 في إختيار الله تعالى إياها على النساء 150
46 في وجوب إطاعتها على الكائنات 151
47 في ركوبها يوم القيامة 152
48 في تكلمها في بطن أمها 152
49 في كونها تحت قبة العرش 153
50 في ثواب السلام عليها 153
51 في نزول حنوطها من الجنة 154
52 اشتراكها معهم في الحرب والسلم 154
53 اشتراكها معهم في تكون الميزان 156
54 اشتراكها معهم في قصة سفينة نوح (ع) 156
55 توسل زكريا بها (ع) 157
56 تحية الله تعالى إياها معهم بتفاحة 158
57 عرض حبها على البرية 158
58 اشتراكها معهم في الصلوات 158
59 فاطمة (ع) والمعاد 161
60 فاطمة (ع) وحديث الكساء الشريف 166
61 البحث السادس حديث الكساء الشريف 168
62 فاطمة (ع) وحديث الكساء الشريف 170
63 الوقفة الأولى: حديث الكساء وآية التطهير 171
64 مفهوم أهل البيت عند أهل اللغة 172
65 الوقفة الثانية: سند هذا الحديث 182
66 الوقفة الثالثة: مضامين هذا الحديث المختلفة 183
67 البحث السابع فاطمة (ع) سيدة نساء العالمين 192
68 البحث الثامن فاطمة (ع) العلة الغائية 212
69 يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك 212
70 ولولا علي لما خلقتك 216
71 ولولا فاطمة لما خلقتكما 217
72 البحث التاسع فاطمة (ع) والولاية التكوينية 221
73 المقام الأول: إمكان وقوع الولاية التكوينية 228
74 المقام الثاني: الولاية التكوينية لفاطمة (ع) 238
75 الولاية التكوينية بأذن الله تعالى 239
76 البحث العاشر فاطمة (ع) أم أبيها 247
77 البحث الحادي عشر فلسفة تسبيح فاطمة الزهراء (ع) 259
78 تشريع التسبيح 262
79 كيفية التسبيح 267
80 التسبيح من شعائر الدين 272
81 الشعار وحامله 274
82 الزهراء (ع) تعلمت التسبيح من النبي (ص) 276
83 البحث الثاني عشر معرفة فاطمة (ع) 287
84 مستويات معرفة فاطمة (ع) 292
85 المستوى الأول: المعرفة التاريخية لها (ع) 294
86 ولادة فاطمة (ع) 294
87 تحقيق وتبيين 299
88 شهادة الصديقة فاطمة (ع) 300
89 الهموم المتراكمة 301
90 العيادة المبغوضة 303
91 وصية فاطمة (ع) 304
92 لحظات عمرها الأخيرة 306
93 التشييع والدفن 307
94 وقوف الإمام (ع) على قبرها 308
95 تاريخ وفاتها 310
96 المستوى الثاني: المعرفة المناقبية لها (ع) 313
97 معاجزها في حياتها (ع) 313
98 أخلاقها (ع) 325
99 المستوى الثالث: المعرفة العلمية والفكرية لها (ع) 329
100 الأمر الأول 330
101 الأمر الثاني 331
102 الأمر الثالث 333
103 المستوى الرابع: المعرفة النورانية لها (ع) 335
104 البحث الثالث عشر فاطمة (ع) وليلة القدر 339
105 البحث الرابع عشر فلسفة أسماء فاطمة الزهراء (ع) 350
106 معاني أسماء فاطمة الزهراء (ع) 356
107 1 - فاطمة (ع) 356
108 2 - الصديقة 365
109 3 - المباركة 367
110 4 - الطاهرة 375
111 5 - الزكية 378
112 6 - الراضية 378
113 7 - المرضية 381
114 8 - المحدثة 382
115 مصحف فاطمة 387
116 مصحف فاطمة في الأحاديث الشريفة 389
117 9 - الزهراء 392
118 10 - البتول 396
119 البحث الخامس عشر فدك عنوان الولاية 406
120 إخراج عمال فاطمة (ع) من فدك 409
121 خطأ الخليفة الأول 410
122 بطلان دعوى عدم توريث الأنبياء (ع) 412
123 الخطبة الفدكية إحتجاج فاطمة الزهراء (ع) على القوم لما منعوها فدك 437
124 كلامها (ع) مع نساء المهاجرين والأنصار 468
125 أهداف خطبة الزهراء (ع) 474
126 البحث السادس عشر فاطمة (ع) وعلاقتها بالحسين (ع) 484
127 الولادة الميمونة 485
128 إخبار فاطمة (ع) بقتل الحسين (ع) 485
129 أول مأتم عقد للحسين (ع) 488
130 حب فاطمة (ع) للحسين (ع) 489
131 الحسين (ع) وحجر فاطمة (ع) 489
132 فاطمة (ع) يوم القيامة 491