فلسفتنا - السيد محمد باقر الصدر - الصفحة ٩٢
السابق
لارتفاع مستوى الخبرة التجريبية وتعميقها على مر الزمن، كان من الطبيعي لها ان ترفض كل مطلق فلسفي فوق العلم.
وقد نشأ هذا من خطأ الماركسية في نظرية المعرفة وإيمانها بالتجربة وحدها، وأما في ضوء المذهب العقلي والايمان بمعارف قبلية فالفلسفة ترتكز على قواعد أساسية ثابتة وهي تلك المعارف العقلية القبلية الثابتة بصورة مطلقة ومستقلة عن التجربة، ولأجل ذلك لا يكون من الحتم ان يتغير المحتوى الفلسفي باستمرار تبعا للاكتشافات التجريبية.
ونحن لا نعني بذلك انقطاع الصلة بين الفلسفة والعلم فان الترابط بينهما وثيق لأن العلم يقدم في بعض الأحايين الحقائق الخاصة إلى الفلسفة لتطبق عليها مبادئها المطلقة فتخرج بنتائج فلسفية جديدة (1).
كما أن الفلسفة تنجد الأسلوب التجريبي في العلوم بمبادئ وقواعد عقلية يستخدمها العالم في سبيل الارتقاء من التجارب المباشرة إلى قانون علمي عام (2). فالعلاقة بين الفلسفة والعلم قوية (3)، غير ان الفلسفة بالرغم من ذلك قد لا تحتاج في بعض

(١) ومثال ذلك ان العلوم الطبيعية تبرهن على امكان تحويل العناصر البسيطة بعضها إلى بعض. فهذه حقيقة علمية تتناولها الفلسفة كمادة لبحثها وتطبق عليها القانون العقلي القائل بان الوصف الذاتي لا يتخلف عن الشيء فنستنتج أن صورة العنصر البسيط كالصورة الذهبية ليست ذاتية لمادة الذهب والا لما زالت عنها وانما هي صفة عارضة. ثم تمضي الفلسفة أكثر من ذلك فتطبق القانون القائل ان لكل صفة عارضة علة خارجية فتصل إلى هذه النتيجة ان المادة لكي تكون ذهبا أو نحاسا أو شيئا آخر بحاجة إلى سبب خارجي فهذه نتيجة فلسفية مستندة إلى ما أدت اليه الطريقة العقلية من قواعد عامة لدى تطبيقها على المادة الخام التي قدمتها العلوم للفلسفة.
(٢) كما ضربنا الأمثلة على ذلك آنفا فقد رأينا كيف ان النظرية العلمية القائلة ان الحركة هي سبب الحرارة أو جوهرها تطلبت عدة من المبادئ العقلية القبلية.
(٣) حتى يمكن القول في ضوء ما قررناه - خلافا للاتجاه العام الذي واكبناه في الكتاب - بعدم وجود حدود فاصلة بين قوانين الفلسفة وقوانين العلم كالحد الفاصل القائل ان كل قانون قائم على أساس عقلي فهو فلسفي وكل قانون قائم على أساس تجريبي فهو علمي، لأننا عرفنا بوضوح ان الأساس العقلي والتجربة مزدوجان في عدة من القضايا الفلسفية والعلمية فلا القانون العلمي وليد التجربة بمفردها، وانما هو نتيجة تطبيق الأسس العقلية على مضمون التجربة العلمية، ولا القانون الفلسفي في غنى عن التجربة دائما، بل قد تكون التجربة العلمية مادة للبحث الفلسفي أو صغرى في القياس على حد تعبير المنطق الأرسطي، وانما الفارق بين الفلسفة والعلم ان الفلسفة قد لا تحتاج إلى صغرى تجريبية ولا تفتقر إلى مادة خام تستعيرها من التجربة كما سنشير اليه بعد لحظة، واما العلم فهو من كل قوانينه بحاجة إلى الخبرة الحسية المنظمة.
(٩٢)
التالي
الاولى ١
٣٤٤ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المؤلف 6
2 تمهيد... المسألة الاجتماعية 9
3 المذاهب الاجتماعية 10
4 الديموقراطية الرأسمالية 11
5 الاتجاه المادي في الرأسمالية 14
6 موضع الاخلاق من الرأسمالية 17
7 مآسي النظام الرأسمالي 18
8 الاشتراكية والشيوعية 22
9 الانحراف عن العملية الشيوعية 24
10 المؤاخذات على الشيوعية 26
11 التعليل الصحيح للمشكلة 30
12 كيف تعالج المشكلة 34
13 رسالة الدين 38
14 1 - نظرية المعرفة 47
15 1 - المصدر الأساسي للمعرفة 47
16 التصور ومصدره الأساسي 48
17 1 - نظريات الاستذكار الأفلاطونية 49
18 2 - النظرية العقلية 50
19 3 - النظرية الحسية 53
20 4 - نظرية الانتزاع 57
21 التصديق ومصدره الأساسي 58
22 1 - المذهب العقلي 59
23 2 - المذهب التجريبي 62
24 الماركسية والتجربة 75
25 التجربة والكيان الفلسفي 78
26 المدرسة الوضعية والفلسفة 81
27 الماركسية والفلسفة 86
28 2 - قيمة المعرفة 90
29 1 - آراء اليونان 92
30 2 - ديكارت 93
31 3 - جون لوك 97
32 4 - المثاليون 99
33 أ - المثالية الفلسفية 100
34 ب - المثالية الفيزيائية 110
35 ج - المثالية الفيزيولوجية 117
36 5 - أنصار الشك الحديث 118
37 6 - النسبيون 120
38 أ - نسبية كانت 121
39 ب - النسبية الذاتية 128
40 الشك العلمي 129
41 نظرية المعرفة في فلسفتنا 136
42 النسبية التطورية 140
43 التجربة والمثالية 140
44 التجربة والشيء في ذاته 147
45 الحركة الديالكتيكية في الفكر 154
46 أ - تطور الحقيقة وحركتها 158
47 اجتماع الحقيقة والخطأ 164
48 التعديلات العلمية والحقائق المطلقة 167
49 انتكاس الماركسية في الذاتية 170
50 2 - المفهوم الفلسفي للعالم 172
51 المفهوم الفلسفي 173
52 تصحيح أخطاء 174
53 ايضاح عدة نقاط 177
54 الاتجاه الديالكتيكي للمفهوم المادي 181
55 الديالكتيك أو الجدل 185
56 1 - حركة التطور 190
57 2 - تناقضات التطور 212
58 أ - ما هو مبدأ عدم التناقض؟ 216
59 ب - كيف فهمت الماركسية التناقض؟ 218
60 الهدف السياسي من الحركة التناقضية 230
61 3 - قفزات التطور 234
62 4 - الارتباط العام 244
63 نقطتان حول الارتباط العام 248
64 مبدأ العلية 254
65 العلية وموضوع الاحساس 254
66 العلية والنظريات العلمية 256
67 العلية والاستدلال 258
68 الميكانيكية والديناميكية 259
69 مبدأ العلية والميكروفيزياء 261
70 لماذا تحتاج الأشياء إلى علة 265
71 أ - نظرية الوجود 265
72 ب - نظرية الحدوث 267
73 ج و د - نظرية الامكان الذاتي والامكان الوجودي 267
74 التأرجح بين التناقض والعلية 270
75 التعاصر بين العلة والمعلول 272
76 المناقشة الكلامية 272
77 المعارضة الميكانيكية 273
78 النتيجة 275
79 المادة أو الله 278
80 المادة على ضوء الفيزياء 279
81 نتائج الفيزياء الحديثة 284
82 النتيجة الفلسفية من ذلك 285
83 مع التجريبيين 287
84 مع الديالكتيك 288
85 المادة والفلسفة 290
86 الجزء والفيزياء والكيمياء 295
87 الجزء والفلسفة 297
88 النتيجة الفلسفية 298
89 المادة والحركة 299
90 المادة والوجدان 301
91 المادة والفيزيولوجيا 302
92 المادة والبيولوجيا 303
93 المادة وعلم الوراثة 305
94 المادة وعلم النفس 306
95 الادراك 311
96 الادراك في مستوى الفيزياء والكيمياء 314
97 الادراك في مستوى الفيزيولوجيا 314
98 الادراك في البحوث النفسية 316
99 الادراك في مفهومه الفلسفي 320
100 الجانب الروحي من الانسان 326
101 المنعكس الشرطي والادراك 328