فلسفتنا - السيد محمد باقر الصدر - الصفحة ٢٠٢
السابق
والفعل أو اتحادهما في الحركة.
وهذا هو المفهوم الفلسفي الدقيق الذي تعطيه الفلسفة الميتافيزيقية للحركة. وقد أخذته المادية الديالكتيكية فلم تفهمه ولم تتبينه على وجهه الصحيح. فزعمت ان الحركة لا تتم الا بالتناقض، التناقض المستمر في صميم الأشياء. كما سوف نعرف عن قريب.
وجاء بعد ذلك دور الفلسفة الاسلامية. على يد الفيلسوف الاسلامي الكبير صدر الدين الشيرازي فوضع نظرية الحركة العامة، وبرهن فلسفيا على ان الحركة بمفهومها الدقيق الذي عرضناه، لا تمس ظواهر الطبيعة وسطحها العرضي فحسب، بل الحركة في تلك الظواهر ليست الا جانبا من التطور يكشف عن جانب أعمق، وهو التطور في صميم الطبيعة وحركتها الجوهرية. ذلك ان الحركة السطحية في الظواهر، لما كان معناها التجدد والانقضاء، فيجب لهذا ان تكون علتها المباشرة أمرا متجددا، غير ثابت الذات أيضا، لان علة الثابت ثابتة، وعلة المتغير المتجدد متغيرة متجددة، فلا يمكن أن يكون السبب المباشر للحركة أمرا ثابتا والا لم تنعدم أجزاء الحركة، بل تصبح قرارا وسكونا (1).

(1) ويتخلص الاستدلال الرئيسي على الحركة الجوهرية بالامرين التاليين: الأول ان العلة المباشرة للحركات العرضية والسطحية في الأجسام - من الميكانيكية والطبيعية - قوة خاصة قائمة بالجسم. وهذا المعنى صادق حتى على الحركات الآلية. التي يبدو لأول وهلة انها منبثقة عن قوة منفصلة. كما إذا دفعت بجسم في خط أفقي، أو عمودي، فان المفهوم البدائي من هذه الحركة انها معلولة للدفعة الخارجية. والعامل المنفصل، ولكن الواقع غير هذا، فان العامل الخارجي لم يكن الا شرطا من شروط الحركة، واما المحرك الحقيقي فهو القوة القائمة بالجسم، ولاجل ذلك كانت الحركة تستمر بعد انفصال الجسم المتحرك عن الدفعة الخارجية، والعامل المنفصل. وكان الجهاز الميكانيكي المتحرك يسير مقدارا ما بعد بطلان العامل الآلي المحرك، وعلى هذا الأساس وضع الميكانيك الحديث قانون القصور الذاتي، القائل: ان الجسم إذا حرك استمر في حركته. ما لم يمنعه شيء خارجي عن مواصلة نشاطه الحركي، غير ان هذا القانون أسئ استخدامه، إذ اعتبر دليلا على ان الحركة حين تنطلق لا تحتاج بعد ذلك إلى سبب خاص وعلة معينة، واتخذ أداة للرد على مبدأ العلية وقوانينها. ولكن الصحيح ان التجارب العلمية في الميكانيك الحديث، انما تدل على ان العامل الخارجي المنفصل ليس هو العلة الحقيقية للحركة. والا لما استمرت حركة الجسم بعد انفصال الجسم المتحرك عن العامل الخارجي المستقل ويجب لهذا ان تكون العلة المباشرة للحركة قوة قائمة بالجسم، وان تكون العوامل الخارجية شرائط ومثيرات لتلك القوة.
الثاني: ان المعلول يجب ان يكون مناسبا للعلة في الثبات والتجدد، فإذا كانت العلة ثابتة كان المعلول ثابتا، وإذا كان المعلول متجددا ومتطورا كانت العلة متجددة ومتطورة. ومن الضروري على هذا الضوء ان تكون علة الحركة متحركة ومتجددة، طبقا لتجدد الحركة وتطورها نفسها، إذ لو كانت علة الحركة ثابتة ومستقرة، لكان كل ما يصدر منها ثابتا ومستقرا، فتعود الحركة سكونا واستقرارا، وهو يناقض معنى الحركة والتطور، وعلى أساس هذين الامرين نستنتج:
أولا: ان القوة القائمة بالجسم والمحركة له قوة متحركة ومتطورة ' فهذه القوة بسبب تطورها تكون علة للحركات العرضية والسطحية جميعا، وهي قوة جوهرية - إذ لابد ان تنتهي إلى قوة جوهرية لان العرض يتقوم بالجوهر - وهكذا ثبتت الحركة الجوهرية في الطبيعة.
ثانيا: ان الجسم يأتلف دائما من مادة تعرضها الحركات، وقوة جوهرية متطورة، وبسببها تحصل الحركة السطحية في ظواهر الجسم واعراضه.
وليس في المستطاع الآن ان نعرض الحركة الجوهرية وبراهينها بأكثر من هذه اللمحة.
(٢٠٢)
التالي
الاولى ١
٣٤٤ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المؤلف 6
2 تمهيد... المسألة الاجتماعية 9
3 المذاهب الاجتماعية 10
4 الديموقراطية الرأسمالية 11
5 الاتجاه المادي في الرأسمالية 14
6 موضع الاخلاق من الرأسمالية 17
7 مآسي النظام الرأسمالي 18
8 الاشتراكية والشيوعية 22
9 الانحراف عن العملية الشيوعية 24
10 المؤاخذات على الشيوعية 26
11 التعليل الصحيح للمشكلة 30
12 كيف تعالج المشكلة 34
13 رسالة الدين 38
14 1 - نظرية المعرفة 47
15 1 - المصدر الأساسي للمعرفة 47
16 التصور ومصدره الأساسي 48
17 1 - نظريات الاستذكار الأفلاطونية 49
18 2 - النظرية العقلية 50
19 3 - النظرية الحسية 53
20 4 - نظرية الانتزاع 57
21 التصديق ومصدره الأساسي 58
22 1 - المذهب العقلي 59
23 2 - المذهب التجريبي 62
24 الماركسية والتجربة 75
25 التجربة والكيان الفلسفي 78
26 المدرسة الوضعية والفلسفة 81
27 الماركسية والفلسفة 86
28 2 - قيمة المعرفة 90
29 1 - آراء اليونان 92
30 2 - ديكارت 93
31 3 - جون لوك 97
32 4 - المثاليون 99
33 أ - المثالية الفلسفية 100
34 ب - المثالية الفيزيائية 110
35 ج - المثالية الفيزيولوجية 117
36 5 - أنصار الشك الحديث 118
37 6 - النسبيون 120
38 أ - نسبية كانت 121
39 ب - النسبية الذاتية 128
40 الشك العلمي 129
41 نظرية المعرفة في فلسفتنا 136
42 النسبية التطورية 140
43 التجربة والمثالية 140
44 التجربة والشيء في ذاته 147
45 الحركة الديالكتيكية في الفكر 154
46 أ - تطور الحقيقة وحركتها 158
47 اجتماع الحقيقة والخطأ 164
48 التعديلات العلمية والحقائق المطلقة 167
49 انتكاس الماركسية في الذاتية 170
50 2 - المفهوم الفلسفي للعالم 172
51 المفهوم الفلسفي 173
52 تصحيح أخطاء 174
53 ايضاح عدة نقاط 177
54 الاتجاه الديالكتيكي للمفهوم المادي 181
55 الديالكتيك أو الجدل 185
56 1 - حركة التطور 190
57 2 - تناقضات التطور 212
58 أ - ما هو مبدأ عدم التناقض؟ 216
59 ب - كيف فهمت الماركسية التناقض؟ 218
60 الهدف السياسي من الحركة التناقضية 230
61 3 - قفزات التطور 234
62 4 - الارتباط العام 244
63 نقطتان حول الارتباط العام 248
64 مبدأ العلية 254
65 العلية وموضوع الاحساس 254
66 العلية والنظريات العلمية 256
67 العلية والاستدلال 258
68 الميكانيكية والديناميكية 259
69 مبدأ العلية والميكروفيزياء 261
70 لماذا تحتاج الأشياء إلى علة 265
71 أ - نظرية الوجود 265
72 ب - نظرية الحدوث 267
73 ج و د - نظرية الامكان الذاتي والامكان الوجودي 267
74 التأرجح بين التناقض والعلية 270
75 التعاصر بين العلة والمعلول 272
76 المناقشة الكلامية 272
77 المعارضة الميكانيكية 273
78 النتيجة 275
79 المادة أو الله 278
80 المادة على ضوء الفيزياء 279
81 نتائج الفيزياء الحديثة 284
82 النتيجة الفلسفية من ذلك 285
83 مع التجريبيين 287
84 مع الديالكتيك 288
85 المادة والفلسفة 290
86 الجزء والفيزياء والكيمياء 295
87 الجزء والفلسفة 297
88 النتيجة الفلسفية 298
89 المادة والحركة 299
90 المادة والوجدان 301
91 المادة والفيزيولوجيا 302
92 المادة والبيولوجيا 303
93 المادة وعلم الوراثة 305
94 المادة وعلم النفس 306
95 الادراك 311
96 الادراك في مستوى الفيزياء والكيمياء 314
97 الادراك في مستوى الفيزيولوجيا 314
98 الادراك في البحوث النفسية 316
99 الادراك في مفهومه الفلسفي 320
100 الجانب الروحي من الانسان 326
101 المنعكس الشرطي والادراك 328