أصل الشيعة وأصولها - الشيخ كاشف الغطاء - الصفحة ١٧٩
السابق
أحسدك، أعلى علمك بالأنساب أم بالأديان أم بالمقالات؟ (1).
أما (عبد الله بن سبأ) (2) الذي يلصقونه بالشيعة أو يلصقون الشيعة به،

(١) محاضرات الأدباء ٤: ٤١٨.
(٢) يبدو بوضوح للمتأمل في قصة عبد الله بن سبأ، ودوره في الأحداث التي جرت أبان حكم الخليفة الثالث أو ما بعده على قول البعض الآخر إنه أمام وقائع وأحداث نسجت بكثير من المبالغة والتهويل لشخصية عادية مغمورة، لا دور واقعي لها يذكر في صياغة أي حدث أو أمر، وإن ذهب البعض حتى إلى التشكيك في صحة وجودها وأنها خرافة حبكت بقدر كبير من الخبث والحقد للطعن بالشيعة ومعتقداتها.
نعم، إن استقراء السيرة الذاتية لهذه الشخصية في كتب العامة لا كتبنا لأنها عندنا واضحة جلية أجلى من الشمس في رابعة النهار يكشف للمرء الكثير من هذه الأخبار المليئة بالمبالغة والكذب والتناقض بشكل لا يخفى على أدنى متأمل، رغم وضوح حال هذا الرجل، ومحدودية أمره في كتب الشيعة ورواياتهم التي لا تذهب إلا إلى أنه غال ملعون غالى بعلي عليه السلام فحكم فيه حكم الاسلام الخاص بأمثاله من الغلاة، لا أكثر ولا أقل، فهو ضمن هذا المقياس شخصية عادية كحالها من الشخصيات المنحرفة التي تعج بها جميع الكتب لا كتبنا فقط.
والحق يقال: إن هذه المبالغة المفرطة في حياكة دور مهول لهذا الرجل في صياغة الكثير من الأحداث الجسام دفع بالعديد من المؤرخين والباحثين إلى التشكيك صراحة في وجود مثل هذا الشخص في أرض الواقع، وتلك حالة رد فعل طبيعية لها بعض التبرير أمام أمور خرافية وغير عقلائية تزدريها الألباب، فحدث نتيجة ذلك ما نراه في تلك الكتب من الإرتباك والتنافر وعدم الوضوح، حين نرى أن البعض الآخر يذهب إلى أن ابن سبأ ليس إلا عمار بن ياسر رحمه الله تعالى والذي حاولت قريش الطعن فيه فاخترعت له هذه التسمية كما كانت تسميه بابن السوداء، وذلك لما يروونه عنه من تزعمه لقادة الثورة التي أودت بحياة الخليفة عثمان بن عفان، وتفانيه في خدمة علي بن أبي طالب عليه السلام، وتشيعه الصريح له.
ثم لا يخفى عليك أخي القارئ الكريم أن أول الحائكين لهذه الأسطورة الخرافية حول هذا الرجل والذي قفى بعد ذلك أثره المؤرخون هو الطبري في تأريخه، وكان مصدره فيها سيف بن عمر البرجمي (ت ١٧٠ ه‍) الذي يطعن به معظم أصحاب التراجم والسير بشكل صريح وواضح، حتى لقد قال عنه مرة: فليس خير منه، وقال عنه أبو حاتم: متروك الحديث، وقال عنه أبو داود: ليس بشئ، وأما النسائي والدارقطني وابن معين فقد قالوا عنه: ضعيف الحديث.. فراجع وتأمل.
وللحق أقول: إن مجرد التأمل البسيط في الظروف المحيطة بظهور هذه الرواية، وما يمكن أن تترتب عليها من نتائج إذا ذهب البعض إلى التسليم بصحتها، رغم تناقضاتها الصريحة والواضحة، بل وما تحاول إبرازه إلى سطح الواقع من شواهد محددة ومعروفة لدى الجميع، يشير بدون لبس إلى غرض المؤامرة التي تبدو فيها أصابع الأمويين وبصماتهم واضحة جلية، وذلك من خلال استقراء الأحداث المروية في المراجع والتي قيل أن هذا الرجل قام بتدبيرها بين البصرة، والكوفة، والشام، ومصر، وخلال فترة زمنية محدودة، وما ترتب عليها بعد ذلك من نتائج واسعة وخطيرة لا يمكن لأحد التسليم بصحتها، والجزم بوقوعها إلا إذا جافى الحقيقة والمنطق، وأعراض عن حكم العقل وحجته، بل ولا بد وكما ذكرت سابقا من أن تتأكد لديه هذه الحقيقة وهذا الدور المفضوح لتلك الشجرة الملعونة في القرآن في صياغة وإشاعة هذه الأسطورة المضحكة والمهلهلة، وهو ما أثار الكثير من الباحثين والدارسين حتى دفعهم صراحة إلى القول بأن أعداء الشيعة ادخروا هذه الأسطورة وتفننوا في حياكتها للطعن بهم، فجاء الخلف من بعد فتلقف ما قال الأولون وسلموا بصحته دون أدنى دراسة وتأمل فوقعوا في الشراك وشاركوا من سبقهم في ظلم الشيعة والافتراء عليهم، وذلك مما تتفطر له القلوب أسى وتأسفا..
ولعل الملفت للنظر أن الأسطورة المنسوجة حول دور عبد الله بن سبأ في صناعة الأحداث التي عصفت بالدولة الاسلامية خلال حكم الخليفة عثمان بن عفان، ودوره في خداع الشعوب كما تجده مسطورا في الكتب اللاحقة بكتاب الطبري وحشدها للتنفيذ خطته للإطاحة بالخليفة، وغفلتها (أي تلك الشعوب) المثيرة للتعجب والاستغراب، تجدها متصاغرة متواضعة، وذليلة عاجزة أمام طاعة أهل الشام شام معاوية آنذاك للدولة الاسلامية وحكامها، وأنهم هم الذين لم يغيروا ولم يبدلوا، بل إن ابن سبأ لم يجد له فيها اذنا صاغية لدعوته، حين وجد في أهل مصر ضالته، هذا إذا علمنا بأن لمصر الدور الأكبر في الثورة على عثمان بن عفان حينها.. إذن فلا متمسك بدين الاسلام في هذه الأسطورة إلا الشام، ويا حسرة على ما سواها من الشعوب المنحرفة اللاهثة وراء الفتنة وأصحابها! فتأمل.
والخلاصة: إن قصة ابن سبأ إن سلمنا بوجود شخص بهذا الاسم، لأن هناك أقوال وتصريحات قائمة على دراسات علمية رصينة تذهب إلى نفي وجود هذه الشخصية، كما ذهب إلى ذلك العلامة السيد مرتضى العسكري في كتابه المعروف عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى أسطورة نسجت حول شخصية تافهة منحرفة، وبولغ فيها أشد المبالغة حتى أمست أقرب منها إلى حكايات العجائز في ليال الشتاء الباردة، بل ومثيرة للاستخفاف والاستهجان، وإلا فإن موقف الشيعة وعلمائها من هذا الأمر أوضح من أن يحتاج معه إلى بيان، فراجع ما شئت من كتبهم ترى حقيقة الأمر بجلاء ووضوح.
ولعل الأمر الواضح والجلي في سر صناعة هذه الأسطورة يكمن في أمر موالاة الشيعة لعلي عليه السلام وأهل بيته الأطهار، امتثالا لأمر الله تعالى ورسوله، وهذا ما أثار حفيظة الأمويين وحقدهم الأسود عليهم والذي لا يقف عند أي حد، فاختلقوا ما زينته لهم نفوسهم المريضة، ووجدها أعداء الشيعة لقمة سائغة فازدروها وطفقوا بجهل يتبجحون بها كالحمقى والمغفلين، من دون أدنى مراجعة ودراسة، وأنا أترك للقارئ الكريم مسألة الحكم حول هذا الموضوع بعد دراسته المجردة للوقائع التأريخية الممتدة خلال فترة ظهور هذا الرجل، أو ما كتب عنه من قبل الباحثين والدارسين المختلفين، وحتى يدرك بالتالي تفاهة وسقامة الربط الساذج بين عقيدة تمتد جذورها إلى اليوم الأول لقيام الدعوة الاسلامية، وبين رجل أبسط ما قيل في حقه أنه مشرك وكافر، فراجع.
(١٧٩)
التالي
الاولى ١
٣٩١ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الاهداء 5
2 مقدمة التحقيق 7
3 متن الكتاب 110
4 مقدمة الطبعة الثانية 111
5 مقدمة الطبعة السابعة 125
6 مدخل الطبعة الأولى 132
7 مناقشة الدكتور أحمد أمين في تقولاته 134
8 الشيعة من الصحابة 139
9 الشيعة من التابعين 142
10 مؤسسو علم النحو من الشيعة 144
11 مؤسسو علم التفسير من الشيعة 144
12 مؤسسو علم الحديث من الشيعة 144
13 مؤسسو علم الكلام من الشيعة 145
14 مؤسسو علم السير والآثار من الشيعة 146
15 مؤرخو الشيعة 146
16 شعراء الشيعة 147
17 الملوك والامراء والوزراء والكتاب الشيعة 151
18 الحديث عن الرجعة 156
19 الجنة لمن أطاع والنار لمن عصى 157
20 فرق الغلاة المنقرضة 160
21 الحديث عن عبد الله بن سبأ 166
22 نشأة التشيع 170
23 عقائد الشيعة أصولا وفروعا 193
24 وظائف العقل 200
25 التوحيد 201
26 النبوة 202
27 الإمامة 203
28 العدل 211
29 المعاد 214
30 وظيفة القلب والجسد 214
31 تمهيد وتوطئة 215
32 الصلاة 221
33 الصوم 224
34 الزكاة 225
35 الزكاة الفطرة 226
36 الخمس 227
37 الحج 229
38 الجهاد 231
39 الامر بالمعروف والنهي عن المنكر 233
40 المعاملات 234
41 عقود النكاح 235
42 نكاح المتعة 235
43 الطلاق 260
44 الخلع والمباراة 265
45 الظهار والايلاء واللعان 266
46 الفرائض والمواريث 267
47 الوقوف والهبات والصدقات 270
48 القضاء والحكم 272
49 الصيد والذباحة 275
50 ظريفة 277
51 الأطعمة والأشربة 278
52 الحدود 281
53 حد الزنا 281
54 حد اللواط والسحق 282
55 حد القذف 282
56 حد المسكر 283
57 حد المحارب 284
58 حدود مختلفة 284
59 القصاص والديات 286
60 الخاتمة 290
61 البداء 290
62 التقية 292
63 ملحقات الكتاب 298