وبين الله تعالى، حاشاه من ذلك (1).
ونعم ما قال الشيخ الرئيس في الشفا، بعد ما بين احتياج الناس إلى السان:
فالحاجة إلى هذا الإنسان في أن يبقى نوع الناس ويتحصل وجوده، أشد من الحاجة
(١) بعد ما ذكرت هذا الباب ظهر لي مقتضى ما جرى بين هشام بن الحكم وعمرو بن عبيد، على ما رواه الكليني (رحمه الله) في أوائل كتاب الحجة، وكونه برهانا. ويؤيد كونه برهانا لا خطابة بعد ظهوره بما ذكرته، سؤال أبي عبد الله (عليه السلام) عن هشام بن الحكم عما جرى بينه وبين عمرو بن عبيد، وقول هشام بعد سؤاله (عليه السلام) عنه بعد ما أخبر بما جرى بينهما بقوله: يا هشام من علمك هذا؟ قلت: شئ أخذته منك وألفته، وقوله (عليه السلام): هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى. لأن تعظيم هذا الكلام المستفاد من السؤالين، وحكمه (عليه السلام) بكونه مكتوبا في الصحفين، بل من أحدهما فقط، لا يليق بغير برهان قاطع، كما يعرفه العارف بأسلوب الكلام.
فإن قلت: ما وجه عدم اكتفائه (عليه السلام) بتصديق ما قال هشام مع كفايته للحضار، لعلمهم بمرتبته (عليه السلام) وإن لم يظهر كون الكلام بتعليمه (عليه السلام) وتعلم الله تعالى، كما يظهر من كونه مكتوبا في الصحفين، مع مزيد هو كونه أبلغ في تعظيم هشام الحري به.
قلت: كونه بتعليمه (عليه السلام) وفي الصحفين يدل على زيادة عظم مرتبة الكلام التي تبعث السامعين إلى زيادة الاقبال إليه والتأمل فيه، وهذه الدلالة أهم من الدلالة على تعظيم هشام بما ذكر، ويمكن في خصوص كونه في الصحفين منفعة أخرى، وهي زيادة انتفاع بعض من سمع هذا الكلام ممن لم يقل بإمامته (عليه السلام) لعدم كونه متهما عند كثير من العامة أيضا.
ومع هذا اشتمل ما ظهر منه (عليه السلام) على تعظيمه إياه بوجوه: أحدها ضحكه (عليه السلام) بعد نقل هشام كلامه المنبئ عن السرور الناشي عن حسن التكلم الذي بهت به عمرو، ولم يقدر أن يتكلم في مقابله بشئ. وثانيها قوله (عليه السلام) " من علمك هذا؟ " لدلالته على اختصاص هشام بين كمل الأصحاب الحاضرين في المجلس بتعليم هذا البرهان. وثالثها قوله (عليه السلام) " هذا والله مكتوب " الخ لدلالته على حسن أخذه وجودة استعماله في موضعه.
والتعظيم بهذه الأمور أحسن من الاكتفاء بالتصديق، لأنه وإن كان متعلق التصديق حينئذ حقا، لكن ربما يتوهم منه الحاضرون أمرا غير واقع " منه ".