التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٨١
السابق
... ثم يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرجوف 1، والقاصمة الزحوف 2، فتزيغ قلوب بعد استقامة، وتضل رجال بعد سلامة، وتختلف الأهواء عند هجومها، ونلتبس الآراء عند نجومها 3 من أشرف لها قصمته 4 ومن سعى فيها حطمته، يتكادمون فيها تكادم الحمر في العانة 5 قد اضطرب فيها معقود الحبل، وعمي وجه الأمر. تغيض فيها الحكمة 6، وتنطق فيها الظلمة، وتدق أهل البدو بمسحلها 7 وترضهم بكلكلها 8... فلا تكونوا أنصاب الفتن 9 وأعلام البدع، والزموا ما عقد عليه حبل الجماعة، وبنيت عليه أركان الطاعة 10.
في هذا النص بين الإمام بعض سمات انتصار الفتنة:
1 - استيلاء الفتنة على مساحات جديدة في المجتمع: تضل رجال بعد سلامة وتتعمق الأفكار المنحرفة تزيغ قلوب بعد استقامة.
2 - تلف المجتمع حيرة شديدة نتيجة للانتصار غير المتوقع الذي فرض مفاهيم جديدة لم تكن مألوفة.
3 - تحطم الفتنة - في أوج انتصارها - كل من يتصدى لها مواجهة.
وفي نص آخر بين الإمام وجوها أخرى لانتصار الفتنة:
... فعند ذلك أخذ الباطل مآخذه، وركب الجهل مراكبه، وعظمت الطاغية، وقلت

(1) الرجوف: شديد الرجفان والاضطراب، تدخل الاضطراب والقلق على المجتمع.
(2) القاصمة: الكاسرة، والزحوف: المتحركة التي تسعى للانتشار في المجتمع.
(3) نجوم الآراء ظهورها يعني أن الفتنة تسبب البلبلة الفكرية في المجتمع، فتمكن للشعارات الدخيلة من التسرب والشيوع.
(4) أشرف لها: تعرض لها، قصمته: كسرته.
(5) يتكادمون.. ينهش بعضهم بعضا، والعانة هي الجماعة من الحمر الوحشية، يعني أن سلطان القانون، في حالة انتصار الفتنة، يسقط، ويسود سلطان الغريزة.
(6) تغيض.. تختفي، غاض الماء: غار تحت الأرض.
(7) دق: فتت وطحن. والمسحل: المبرد أو المطرقة، يعني أن شرورها الاجتماعية تصل إلى أهل البدو - مع بعدهم عن يد السلطة - فتحطم علاقاتهم، وتهدد أمنهم.
(8) الرض: التهشيم، والكلكل: الصدر، يعني أنها تطبق عليهم، فتشل حركتهم وتحطم مقاومتهم.
(9) أنصاب: علامات.
(10) نهج البلاغة، الخطبة رقم: 51.
(١٨١)
التالي
الاولى ١
٢٠٥ الاخيرة