مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٧٠
السابق
قومه وأهله، يدخل عصره وبانتظاره المريدون الذين يريدونه متشقا سيفه فقط، إلا أنه يقتحم العصر بابتسامة القلب، عاشقا كبيرا، ظل في الحب غلاما تتقصاه الجميلات.
كان للشريف الرضي مذهب في العشق، وفي أنشطة سياسية وفكرية كثيرة تتوفر إمكانية صياغة المذهب، أما في العشق، فان صياغة مذهب للعشق عمل مذهل.
وقد توصل الشريف الرضي إلى رسم مذهبه في العشق من خلال تجربته الواقعية المثيرة. ويبدو أن ثراء شخصيته كان يدفع به في كل اهتمام إلى أقصاه ففي الشعر يصبح أشعر قريش ومن أشهر شعراء العرب، وفي السياسة يصبح نائب الخليفة، أمير الحج، نقيب الطالبيين، وفي الأدب والفقه والنحو يصبح عالما لا يشق له غبار، ثم في العشق يصبح أمير العشاق، ومعجم العشق.
لقد برز عمر بن أبي ربيعة في الغرام فكان شعره ديوان حياته وغرامياته إلا أنه لم يطرح مذهبا، لأنه كان يتبع إحساساته اللذية، وبرز الشعراء العرب الذين اعطى كل واحد منهم قلبه لفاتنة واحدة، قيس لليلى، وجميل لبثينة، وكثير لعزة... إلخ فأبدعوا وأجادوا، لكنهم أعطوا طرازا من الحب، رائعا، ومتميزا، إنما لم يصل إلى مستوى المذهب في العشق.
كان الشريف الرضي لوحده تجربة متكاملة، فقد اندفع في العشق إلى النقطة البعيدة، إلى حبة القلب، وما أبعدها! فأي واحد ذلك الذي استطاع أن يصل إلى حبة قلبه، ومن الحبة، حبة القلب، جاء الحب! فيناغيها، ويشاورها، ويستجيب لهتفتها! وأي واحد ذلك الذي يستطيع الوصول إلى حبة قلب محبوبه، فيقدم لها صلاة الروح، واذعان الولاء، ومناجاة التدليل، وواجب الحراسة العشق هو جسر الغيب ما بين حبات القلوب المتآلفة.
وفي ملكوت العشق، كان الشريف الرضي عذريا في عالم الرغبة، وراغبا في عالم العذراوية، ومزيجا رائقا من الزهد، والرغبة، مع كائنات بشرية جميلة، مترعة بفيض الجمال، المطل من العيون والخدود، والشفاه، وفي مواسم الحج، التي يحضرها أميرا وشهيرا كان كل شئ يلتمع بسرعة، مثل برق. عين البدوية التي تومض إيماضة الدنف، وخدها الذي يتضرج بحمرة الاشتهاء الخجول، وينشق الهوى من صندوق الجسم كزلزال، لا يتجاوز عمره عمر موسم الحج، ثم ينقضي كل شئ، وكان نبضة القلب التي يتعلق بها مصير حياة بأكملها، ليست إلا نغمة، حائرة، تائهة، غريبة، سرعان ما يرميها اعصار الكون في وديان العدم.
كان الشعراء العشاق يطاردون نساءهم الفاتنات، والشعر فضيحة.
وحتى لو لم تكن للشاعر قصة غرامية، فإنه يتناول قصة الآخر محيلا إياها في شعره إلى موضوع، وتجربة، فكيف إذا كان الشاعر يكتوي بنار الحب إنه يستصرخ الزمان، ويستنطق الموتى، ويشهد الأحياء والأموات والأشياء والكثبان والجداول والأباعر على فرحه أو على حزنه.
ولقد شهدت جزيرة العرب عشرات الشعراء، الذين كانوا في الغرام مثل دون جوان وكازانوفا لكن امارة العشق ظلت معقودة من نواصيها، إلى الشريف الرضي.
ففي صلب طبعه كان جماليا كبيرا. يقتنص سرحات الاشراق الفاتن على الوجوه، لأنه كان يراها بعين القلب التي لا تخطئ. فكان غير محتاج إلى مقاييس الاحساس، لادراك جمال الجميل، لأن الوتر واحد بين الناظر والمنظور، فرنة هنا تنشئ إلفتها النغمية هناك!
الشعور بالجمال كان لدى الشريف الرضي أكبر من شعور الشعراء الآخرين، الذين وصلوا إلى الحب من خلال جذبات الاحساس. لقد عشقوا من خلال تأثير العيون الحوراء، والحواجب الزجاء، والشفاه اللمياء، والأعناق المسبوكة، والصدور الناهدة، وغير ذلك مما نطقت بهم قصائد الغزل، أي أنهم عشقوا الحسي، والجزئي، ثم استوطنوا الحسي والجزئي أيضا، وعجزوا بسبب الطبيعة البشرية والثقافية، طبيعتهم عن رفع الحسي إلى مستوى الأبدي، والجزئي إلى مستوى الكلي، فجاءت قصائد الغزل متشابهة إلا من فروق بسيطة، فهذا شاعر يحب امرأة سمراء، وذاك يحب امرأة شقراء. هذا يحب امرأة قصيرة، وذاك يحب امرأة طويلة، واخضعوا تسمية القلب إن جاءت في أشعارهم، إلى سيطرة الرغبة ونداء اللذة، فكان القلب بريد الشهوة، أو قناعها المحترم الذي تستخدمه للتضليل، والتخليص من الفضائح والتعفيف الشعر من الاستخدامات العضوية الأخرى المحرجة غير ذلك، تماما، كان الشريف الرضي، لأن مفاهيمه عن الجمال كانت من معطيات نفسه الشريفة، المتسامية... فهو في علاقته بالناس، وبالطبيعة، وكان يتصل بالأعمال المشتركة، مبرهنا بتجربته الحياتية. إنه والناس والطبيعة من عمق واحد وينبوع واحد.
وحين كان الناس لا يرون إلا الظواهر الخارجية، كان هو مدركا أن في داخله تضطرم دفعات الينابيع الجوفية للطبيعة والكون، فكان يصغي إليها أتم اصغاء، وكانت هي التي تهديه، وتقوده، وتجعله صادقا مع نفسه ومع سواه، فالذي يدرك حركة الأعماق في الكون الهائل ويصيخ سمعا لايقاعها المستضاف في جسده، هو وحده الذي لا تغره المظاهر وهو وحده الذي تتفتح عينه متعرفة على المدى الأكبر، فيعود يرى ما لا يراه الآخرون، ويبتدئ بالكلي مترحلا من خلاله إلى ملاحظة الجزئي، فالعين، عين المرأة الفاتنة، أو عين الغزال، ليست جميلة بذاتها، بل هي جميلة في علاقتها ب كلية الطيف الشمسي للجمال.
فالشعور بالجمال، هو تصور بالكلية، والأبدية الجمالية، هو انتساب إلى جلال الكون المتوحد في الجمالات التي يهرع إليها المتولهون، هرع العطشان إلى الماء الزلال.
وفي كل عشق تمثل العين مركز التأثير الذي يسرع بارسال برقيته إلى القلب، ولم يفت المفكرين والشعراء تشبيه العين بالشمس، في تأثيرها على الأحياء، فيما تعطي وفيما تميت، وكذلك في شكلها.
وكما سترى، فان الشريف الرضي اعطى للعين رسالة كونية، لأن العيون المقدسة هي التي تزيح الحجب السميكة، فترى ما ليس يرى، وتقرب ما هو متباعد وتدمج ما هو متعارض، وتلغي اضطراب الأشكال الخارجية في فنية وجمالية النسق.
إن كلية الجمال وكلية الجلال، وكلية الحق، وكلية العدل والخير،
(٢٧٠)
التالي
الاولى ١
٣٧٤ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 4
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 5
3 أحمد مسكويه 6
4 أحمد آل عصفور - البحراني 17
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 18
6 أحمد القطيفي 30
7 أحمد الغريفي 31
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 39
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 40
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 41
11 أحمد الصاحب 43
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 44
13 إدريس الأول 47
14 إسماعيل الصفوي 48
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 66
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 67
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 68
18 جارية بن قدامة السعدي 69
19 جعفر القطاع - البحراني 75
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 76
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 77
22 الحسن الوزير المهلبي 79
23 حسن الدمستاني 90
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 91
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 93
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 96
27 الحسين الطغرائي 97
28 حسين الفوعي - القزويني 102
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 103
30 حمد البيك 118
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 132
32 داود البحراني 136
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 137
34 سعيد حيدر 138
35 سليمان الأصبعي 149
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 150
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 151
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 152
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 153
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 154
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 156
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 157
43 عبد الكريم الممتن 158
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 160
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 161
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 162
47 عبيدة - عدنان الغريفي 170
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 171
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 172
50 علي بن المؤيد 174
51 علي باليل 181
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 183
53 علي الغريفي 194
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 199
55 علي الحماني 200
56 علي بن الفرات 209
57 علي التهامي 211
58 عمر بن العديم 216
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 218
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 220
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 221
62 محمد الكناني 224
63 محمد بن أحمد الفارابي 225
64 محمد البيروني 230
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 243
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 244
67 محمد الكرزكاني - المقابي 279
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 280
69 محمد البحراني - البرغاني 284
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 285
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 295
72 محمد عباس الجزائري 296
73 محمد علي البرغاني 297
74 محمد صالح البرغاني 298
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 303
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 306
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 307
78 محمود بن الحسين كشاجم 310
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 320
80 معتوق الأحسائي 325
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 326
82 مهدي الحكيم 328
83 مهدي بحر العلوم 328
84 مهدي المازندراني - الحيدري 331
85 منصور كمونة 334
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 335
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 336
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 340
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 341
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 342
91 يعقوب الكندي 347
92 يوسف بن قزغلي 353
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 354
94 الخراسانية والمتشيعة 359
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 362
96 سعد صالح 365
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 366
98 ابن جبير في جبل عامل 368