مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ١ - الصفحة ٦٨
السابق
أثارت سياسة المنصور في شدتها وصرامتها، وأثار إسراف قادته وعماله في سفك الدماء سخط جمهرة من اعلام عصره ما في ذلك من شك حتى تعرض من تعرض منهم إلى صنوف من الأذى والمحن، ويقول لنا السيوطي في هذا الصدد " آذى المنصور خلقا من العلماء ممن خرج معهما - أي محمد وإبراهيم - أو أمر بالخروج قتلا وضربا وغير ذلك، منهم أبو حنيفة وعبد الحميد بن جعفر وابن عجلان ".
أجمعت كلمة المؤرخين على أن عهد المنصور كان عهد محنة لهؤلاء العلويين ولأنصارهم من أهل الفقه والعلم على اختلاف مذاهبهم - كما رأيت في قول السيوطي -، ولكن هؤلاء المؤرخين وبعض المحدثين والمؤلفين اختلفوا في ماهية الأسباب، منهم من يجعلها أسبابا سياسية ومنهم من يردها إلى غير ذلك.
معركة بين النظار ودارت معركة حامية الوطيس بين النظار في هذا الشأن تضاربت فيها وجهات النظر فمنهم من ينفى عنهم الخوض في السياسة وينفى الروايات والأخبار المشعرة بصدور فتوى صريحة أفتاها هؤلاء الفقهاء بجواز الخروج على المنصور مع من خرج عليه من العلويين والسادات أو في جواز التحلل من بيعته، لما في الخروج على السلطان من المفاسد - وإن كان السلطان جائرا فهو الذي يحمي الثغور ويحفظ السبل ويقيم الشعائر، والخروج عليه ينافي أصولا معروفة في العقائد على ما يدعون، فهؤلاء يقولون: أن مالكا ما كان يخوض في السياسة ولا كان يحرض على السلطان، وأنه لزم بيته في النزاع بين المنصور والعلويين، أي أنه كان على الحياد، ولم يقصد بفتواه في يمين المكره وفي طلاق المكره الدعوة إلى التحلل من بيعة المنصور وإن حملت هذه الدعوى على ذلك واحتج بها عامل المدينة على ضربه في محنته المعروفة، أما أبو حنيفة فإنه على أصح الأقوال - أشد وأعنف من صاحبه لم يتردد في الجهر بالخلاف، كما ستقف عليه مفصلا بعد قليل.
العامل السياسي في النزاع لا يجوز فيما نرى إغفال العامل السياسي قط فيما نحن فيه، ولا يصح تجاهل روح العصر الذي عاش فيه أولئك الفقهاء الأعيان من حجازيين وعراقيين، وهذا العصر العصيب عبارة عن الفترة الواقعة بين أواخر الدولة الأموية وأوائل العباسية، وفيها ساءت الأحوال السياسية وتتابعت الفتن واستشرى الشقاق، وهي بعد ذلك فترة يتناقل المحدثون من أبنائها عن آبائهم أو يروون عن أجدادهم وقائع الطف، والحرة واستباحة الحرمين، وفتنة ابن الزبير والثورات القبلية بين عرب الشمال وعرب الجنوب وغير ذلك من الوقائع التي استبيحت فيها كثير من المحارم، وانتهكت الحرمات، وفي هذه العصور انقلبت الخلافة الراشدة إلى ملك عضوض، تقطعت بسببه الأرحام وسفك الدم الحرام، فلا غرو إذا رأينا كثيرا من فقهاء هذا العصر وأئمته ناقمين على الدولة، ساخطين على الساسة والحكام، نافرين من تقلد الأعمال العامة في تلك الأيام.
جعفر بن محمد، وأبو جعفر تروى أخبار الإمام الصادق جعفر بن محمد مع أبي جعفر المنصور بكثرة في كتب الحديث وفي الكتب المعنية بسيرة أهل البيت، ويلاحظ أن كتب التاريخ المشهورة كتاريخ الطبري ومروج الذهب والكامل وتواريخ الخلفاء العباسيين خلت من الإشارة إلى اخباره في هذه المحنة إلا نادرا مع أنه أنبه السلالة العلوية ذكرا في عصره بالمدينة، عاصر المنصور في السنوات العشر الأولى من ملكه، وقد أجمعت كلمة المؤرخين والمحدثين على رواية مالك وأبي حنيفة وتحملهما عنه، عاش أبو حنيفة من بعده مدة وعاش مالك أكثر من عشرين سنة، وكلاهما تحمل عنه في المدينة فأما أبو حنيفة فإنه كان نزيل المدينة هاجر إليها من العراق مضطهدا من قبل ابن هبيرة عامل بني أمية على الكوفة، وأما مالك فإنه كما لا يخفى من أهل المدينة.
لم يقل لنا أحد من المؤرخين أن جعفر بن محمد حبس أو أوذي في المحنة كما ضرب أو حبس غيره بأمر من المنصور أو من عامله على المدينة، وليس معنى هذا السكوت من المؤرخين في الغالب أن الامام سلم من المحنة مطلقا، والحق أن موقفه كان غاية في الدقة بين العلويين الذين يطالبون بحقهم ويحاولون درأ المظالم عنهم وبين الذين انقادت لهم الأمور في العراق وخراسان، أي أن محنته كانت من نوع آخر فإنه عاش عيشة مشوبة بالكدر منغصة بالوعيد والتهديد محاطة بالعيون والجواسيس في عصر أبي العباس السفاح وعصر أخيه أبي جعفر المنصور، وقد عانى من بعض الولاة والأمراء العباسيين في عصر السفاح ما عانى من الأذى والكيد، لأن الوشايات إليه كانت أسرع من السيل إلى المنحدر، وستطلع على أسباب ذلك.
أمير المدينة في دولة السفاح بالغ الأمير داود بن علي عم السفاح وواليه على المدينة في اضطهاد الطالبيين المقيمين فيها، ومرد هذا الاضطهاد إلى شعوره بان هناك وثبة لا بد من قيام الطالبيين بها على الدولة العباسية، فكان يلاحق أتباع العلويين وأنصارهم ويضايقهم، وفي أيامه وبأمر منه قتل " المعلى بن خنيس " من أتباع جعفر بن محمد وصودرت أمواله، وفي سبب قتله أقوال منها: أن المعلى المذكور امتنع من رفع قائمة بأسماء شركائه في رأيه فقتله " السيرافي " صاحب شرطة الأمير والي المدينة في قصة تدل على تفاني المعلى في طاعة الإمام المذكور وفي اخلاصه له ورد بعضهم قتله لقيامه بالدعوة لمحمد بن عبد الله النفس الزكية.
كان لهذه الحادثة أسوأ الأثر في نفس جعفر بن محمد، وقد رأى في هذا الاعتداء اعتداء على حقه وحربا معلنة عليه، يدل على ذلك عنف الاحتجاج الذي احتج به على الأمير والتهديد الذي هدده به، فقد أجمعت روايات الباحثين في سيرته أنه مشى إلى ديوان الأمير وهو محنق على خلاف عادته وألقى خطابا موجزا قال فيه: " قتلت مولاي وأخذت مالي أ ما علمت أن الرجل ينام على الثكل ولا ينام على الحرب! "، وقد جرى اثر الخطاب أخذ ورد - بين الإمام والأمير - لا يخلوان من العنف، ولكن الأمير حاول التنصل وإحالة التقصير على صاحب شرطته فكانت الحجة واهية ولم يكن للأمير مهرب من القود، فأمر بقتل " السيرافي " ولما أخذ ليقتل صرخ قائلا " يأمرونني بقتل الناس فأقتلهم لهم ثم يأمرون بقتلي، وهي كلمة تدل على أن القاتل كان مأمورا بإزهاق روح " المعلى بن خنيس " وأنه امتثل أمر الأمير داود بذلك، فيا لها من كلمة تدل على منتهى الشعور بسوء المنقلب وبأنه - أعني السيرافي.
أطاع المخلوق بمعصية الخالق ويا له من إسراف في سفك الدماء واستخفاف بحرمة الأرواح.
هذا وفي كتب أصحاب السير أقوال مضطربة في تاريخ هذه الحادثة، قيل:
أنها وقعت في خلافة المنصور - وهذا مستحيل -، والصحيح أنها وقعت في عصر سلفه أبي العباس السفاح، فقد أجمعت كلمة المؤرخين على أن داود بن علي مات في خلافة ابن أخيه السفاح بعد الحادثة المذكورة بقليل، ومرد هذه الأوهام في كتب أصحاب السير والمؤرخين إلى سقم الأصول، وقد تكون من أوهام المؤلفين المتأخرين.
(٦٨)
التالي
الاولى ١
٣٠٢ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة - آتش حيدر علي فيضي - آصف الدولة - إبراهيم شرارة 4
2 إبراهيم العلوي بن حسين - إبراهيم مجتهد - أبو الحسن شمس آبادي - أبو الفضل الطهراني - أحمد القزويني بن السيد حميد 9
3 أحمد آل كاشف الغطاء - السيد أحمد الخونساري - أبو العلاء المعري 11
4 أحمد بن منير الطرابلسي 14
5 إسماعيل الصفوي 17
6 أفضل الدين الكاشاني 18
7 أسامة بن منقذ - انشاء الله خان - أنيس 20
8 باقر كاشف الغطاء - باقر أمين الورد - باقر سماكة بن الشيخ محمد - باقر عبد الغني - بدران المزيدي 21
9 البرسيين - بزرك أبو الحسن علوي 22
10 تقي الشيخ راضي - توفيق الفكيكي - جابر الشكري بن عزيز - جرأت - جعفر الخليلي 23
11 جعفر همدر 24
12 جواد علوش - جون 27
13 حبيب بن محمد - حسن علي نجابت - حسين الخادمي - ابن سينا 29
14 حسين القزويني 34
15 حسين معتوق - أبو نواس الحسن بن هاني 35
16 حسن البحراني 39
17 الحسين بن نما الحلي 40
18 حيدر الآملي 41
19 حيدري - خضر المهراني - خضر الطائي - الخطاطون في العهد الصفوي 42
20 الخليل الفراهيدي 45
21 خليل مغنية 46
22 خليل ياسين 47
23 دبير - دبيس المزيدي - دعبل الخزاعي 49
24 رجل من بني ليث - ذو فقار الدولة - راضي آل ياسين 50
25 رضي ذو النوري - راغب حرب - رحيم آرباب - زاير البرسي - سبط الحسن الجايسي - سعد صالح 51
26 سعيد نفيسي - سكينة بگم - سليم حيدر 52
27 سليمان عبد الجبار - سودا - شاكر هادي شكر - شهدة - صادق شفق 55
28 صادق الفحام - صالح الشهرستاني - صدر الدين الصدر 57
29 صدر الدين شرف الدين - صدر الدين الدهلوي - صفي 58
30 الضحاك المشرفي - ضياء الدين الخالصي - ضياء الدين العراقي 59
31 طاهر بن يحيى - طه باقر - الطفيل - طلائع بن رزيك 60
32 ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي 61
33 ظالم بن شراق - عابس الشاكري - العباسيون 63
34 عارف الحر 78
35 عباس اقبال 79
36 عباس أبو الحسن 80
37 عباس القمي - عباس الشيرازي - عباس القرشي 81
38 عباس الهمداني 82
39 عبد الحسين دست غيب - عبد الحسين الأميني - عبد الحسين الحلي 83
40 عبد الحسين نور الدين 84
41 عبد الرؤوف الأمين 85
42 عبد الرضا صادق 88
43 عبد الرضا المطبعي - عبد العزيز بن البراج 90
44 عبد الصاحب الحكيم - عبد الكريم الخليل 96
45 عبد الكريم بن طاووس - عبد الكريم الهاشمي - عبد الله الجزائري 99
46 عبد الله التستري - عبد الله الشيرازي - عبد الله الكلبي - عبد الله الطائي 100
47 عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان - عبد الله أحمديه 101
48 عبد الله الشيرازي - عبد الله الصائغ 102
49 عبد الله بن سلمة - عبيد الله الكوفي - عبد المطلب الحلي 105
50 عبد المطلب الأمين 106
51 عبد المهدي مطر 111
52 عبد الله الجعفي - علي إبراهيم 114
53 علي رضا عباسي 116
54 علي أكبر دهخدا 118
55 علي أكبر نواب - علي الأنصاري الشيرازي - سيف الدولة علي بن حمدان 120
56 علي بن عبد الله بن العباس - علي البحراني - علي النوري 123
57 علي آل شبانة - علي البهبهاني - علي الشيرازي 124
58 علي بن الحسن شميم الحلي 125
59 علي بن حمدون - علي المراغي - علي الهمذاني 126
60 علي الميبدي - علي الخياباني - علي الأبزري - علي نياز - عطية الكوفي - عمرو الأنصاري - عمر الصيداوي - غالب 127
61 غلام رضا سرخي - فاضل الجمالي 128
62 فؤاد عباس 147
63 فتى من أهل الكوفة - الفضل بن جعفر - الفضل بن الزبير الكوفي 148
64 القاسم بن معية - القاسم بن مظاهر - قيس النابغة الجعدي 153
65 قيس النجاشي - كليب الجرمي - الكميت 154
66 لطف الله العاملي 159
67 لطف الله البحراني - ماجد الصادقي - عضد الدين المبارك الأسدي 161
68 مجيد العطار 162
69 محمد بن أبي بكر الهمذاني - محسن جمال الدين - محسن الموسوي - محمد أبو نصر الفارابي 163
70 محمد أبو النديم 173
71 محمد بن إدريس الحلي 177
72 محمد باقر - محمد حسين الكازروني - محمد الحسيني - محمد المتخلص - محمد الشيرازي - محمد معصوم - محمد الكازروني الطبيب - محمد الدهدار الشيرازي - محمد نصير الدين 178
73 محمد مهدي حجاب الشيرازي - محمد بن يوسف الشيرازي - محمد بن الحسين الشيخ البهائي 179
74 محمد الغفاري كمال الملك 180
75 محمد باقر الدهلوي - محمد صادق بحر العلوم - محمد بهشتي 182
76 محمد تقي بهار 183
77 محمد الحجة - محمد جمال الهاشمي 184
78 محمد حرز الدين - محمد الخليلي 185
79 محمد حسن الحكيم 186
80 محمد أبو جعفر الطوسي 187
81 محمد تقي الآملي 198
82 محمد جواد باهنر - محمد حسين آزاد - محمد الطباطبائي - محمد رضا الشبيبي 199
83 محمد رضا القمي - محمد شريف خان - محمد مفتح - محمد بن الأبار 203
84 محمد الشويكي 204
85 محمد شرارة 205
86 محمد حسين الشهرستاني 209
87 محمد صادق نشأت - محمد رضا شرف الدين 210
88 محمد آل شبانة - محمد صدوقي 211
89 محمد الأردوبادي - محمد علي بري - محمد الشيباني 212
90 محمد علي خاتون - محمد الصاحبي - محمد الجزائري - محمد المدرسي 217
91 محمد المعصومي - محمد بن طباطبا - محمد جواد - محمد ناصر 218
92 محمد علي اليعقوبي 220
93 محمد بن عمر الكشي - محمد قسام - محمد قطب شاه 221
94 محمد قلي قطب شاه - دول الهند الشيعية - محمد كال شعيب 222
95 محمد المقدادي القمي 224
96 محمد بن المبارك الكرخي - محمد نصير الدين الطوسي 227
97 محمد بن مكي الشهيد الأول - محمد الجبي 236
98 محمد هاشم الأشكوري 239
99 محمد بن هاني الأندلسي 240
100 محمد يوسف مقلد 242
101 محمد بن المبارك الكرخي 243
102 محمد مهدي البصير 244
103 محمود بن الياس الشيرازي - محمود الحبوبي 245
104 محمود الحمصي 248
105 محمود الشاهرودي - محمود الطالقاني - محمود بن مسعود الشيرازي - محيي الدين شمس الدين 249
106 مرتضى مطهري - مزيد المزيدي - مصطفى جواد 251
107 معاذ بن مسلم الهراء - المقداد السيوري - مهيار الديلمي 252
108 موسى الزين شرارة 267
109 موسى سيار الشيرازي - مير أمين - مير حسن - مير آبادي 269
110 ناسخ - ناصر الدين الشيخ راشد - نصر الخبز أرزي 270
111 نصير الدين ناصر العلوكي 271
112 ناصيف النصار 273
113 نصر بن علي الحلي - نصير الدين المنازي - نظير - نواب صفوي 279
114 النوار ابنة مالك - هادي النحوي - هادي كمال الدين - هاشم معروف الحسني 282
115 هبة الله بن علي - ابن الشجري 283
116 ورام الحلي - يحيى القرشي - يزدن التركي 284
117 يزيد بن قيس - يزيد بن زياد الكندي - يزيد بن مفرغ 285
118 يحيى بن البطريق 288
119 يعقوب بن داود 289
120 يوسف بن المطهر - يوسف رجيب - يونس الأردبيلي - الأمويون والإسلام والعروبة 290
121 الشيعة يحمون العالم الإسلامي 295
122 الحجاج بن يوسف 298
123 كلمة الختام 300