مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ١ - الصفحة ٢٨٨
السابق
هنا تبتدئ مأساة هذا الشاعر، ومأساة آل زياد معا... انه لا بد لعباد من الانتقام، ولكن آل زياد يخشون نقمة الجماهير، إذا هم أساءوا إلى الشاعر من غير ذنب ظاهر تسمع به الجماهير، فتعذرهم على عقوبته.
وتربص عباد بالشاعر حتى جاءت فرصة الانتقام، إذ علم عباد أن لقوم دينا على الشاعر، فدس إليهم من يدفعهم أن يشكوا ابن مفرع إليه، فلما شكوه، حبسه وأخذ يعذبه، فلا يحتمل الشاعر التعذيب، ويجتهد في الحيلة على عباد حتى يطلقه من سجنه، ثم يجتهد الشاعر وقد استطاع الخروج من السجن - ان يجد الحيلة في الهروب من خراسان إلى العراق.
وهنا تكبر مأساة آل زياد أنفسهم، فإذا بالشاعر يبلغ منهم إربه، وإذا هو يشحذ لسانه في ذمهم وهجائهم وهو ما يزال في الطريق إلى العراق، يرسل البيت من الهجاء فيكتبه على حائط هذا الخان في أحد منازل الطريق، ثم يرسل البيت الآخر فيكتبه على حائط آخر في هذه المرحلة الأخرى من الطريق، وإذا الجماهير في مراحل الطريق كلها من خراسان إلى العراق، تتناقل أهاجي الشاعر في آل زياد فتحفظها بسرعة البرق، ثم تتناقلها بأكثر سرعة من ذلك، حتى تصل هذه الأهاجي إلى جماهير البصرة قبل أن يصل إليها الشاعر، وإذا أهل البصرة كلهم يتغنون في أشعار ابن مفرع بال زياد، ينفسون بها عن كربهم، ويمطون بها ألسنتهم يتلمظون بمساوئ آل زياد مستطيبين هجاءهم، لأنه جاء تمثيلا لما في صدورهم من الضغينة عليهم ومن الحقد على ما يجدون من استبدادهم وطغيان أمرهم فيهم.
ولكن الشاعر ما يكاد يصل البصرة، ويرى أهلها قد سبقته أشعاره إليهم فحفظوها وتغنوا بها في اسمارهم، وانطلقت بها ألسنتهم في هذا الحقل، وفي هذا البستان، وفي هذا المصنع، في طول المصر وعرضه، حتى يتجسم له شبح مأساة جديدة...
فقد علم عبيد الله بن زياد، والي البصرة، بمقدم الشاعر إليها من خراسان، وكان قد سمع بما تتغنى به أهل البصرة من أهاجيه في أخيه وآله، فأخذ يبحث عنه بحثا شديدا، حتى كاد يقبض عليه، فهرب إلى بلاد الشام.
وطفق الشاعر ابن مفرع ينتقل في قرى الشام ونواحيها - كما تقول رواية الأغاني - يهجو بني زياد، وتنتقل أشعاره فيهم من هناك إلى البصرة وتنتشر، وتبلغ بني زياد على السنة الناس أينما اتجهوا في المدينة، ويضيق عبيد الله ذرعا بهذا الأمر، فكتب إلى يزيد بن معاوية يقول له:
- " ان ابن مفرع هجا زيادا وبني زياد بما هتكه في قبره وفضح بنيه طول الدهر، وتعدى ذلك إلى أبي سفيان، فقذفه بالزنا، وسب ولده، فهرب من خراسان إلى البصرة، وطلبته حتى لفظته الأرض فلجأ إلى الشام يتمضغ لحومنا بها ويهتك أعراضنا، وقد بعثت إليك بما هجانا به لتنتصف لنا منه ".
وبعث عبيد الله إلى يزيد بجميع ما حفظته جماهير البصرة من أشعار ابن مفرغ في بني زياد، فأمر يزيد بطلب الشاعر، فجعل يفلت من أيدي " رجال التحري " منتقلا من بلدة إلى بلدة، فإذا شاع خبره هنا انتقل إلى موضع آخر، حتى خرج من أرض الشام وانتهى إلى البصرة، ونزل فيها على الأحنف بن قيس مستجيرا فأبى أن يجيره رهبة من بني زياد، فلجأ إلى عدد من وجوه القوم، فلم يجره أحد منهم خشية ورهبة كذلك، حتى اجاره المنذر بن الجارود العبدي، وكانت ابنة هذا زوجا لعبيد الله بن زياد.
فلما علم عبيد الله، بعث إلى حميه المنذر أن يأتيه، فأتاه، وما كاد يخرج المنذر من داره، حتى كبسها الشرطة، وقبضوا على ابن مفرع وجاءوا به إلى عبيد الله، فلم يشعر المنذر الا وابن مفرع قد أقيم على رأسه، فجزع المنذر، وقال لعبيد الله:
- " أذكرك الله أيها الأمير، لا تخفر جواري، فإني قد أجرته ".
فقال له عبيد الله: " يا منذر، ليمدحن أباك ويمدحنك، ولقد هجاني وهجا أبي، ثم تجيره؟... لا ها الله لا يكون ذلك ابدا ولا أغفرها له ".
ويقف الشاعر امام عبيد الله، حين خلا به يعاتبه، موقفا جريئا صريحا لم يضطرب، ولم يتخاذل، ولم يستخذ استخذاء الذليل الجبان، وقال له في آخر حديث طويل له معه:
- "... وقد صرت الآن في يدك، فاصنع بي ما أحببت ".
فحبسه عبيد الله، ثم بعث إلى يزيد بن معاوية يسأله ان يأذن له في قتله، فكتب إليه يزيد يقول:
- " إياك وقتله، ولكن عاقبه بما ينكله ويشد سلطانك، ولا تبلغ نفسه (أي لا تزهق روحه) ".
فلما ورد كتاب يزيد على عبيد الله، امر بابن مفرع ان يسقى نبيذا حلوا قد خلط معه ما يسهل معدته، فلما أسهلت، أخذ الشرطة يطوفون به في شوارع البصرة، وهو في اسهاله، وقرن بهرة وخنزيرة، وجعل الصبية يتبعونه، حتى اضعفه الاسهال، فسقط، واخبر الشرطة ابن زياد ان ابن مفرع قد صار من الضعف بحيث لا نأمن أن يموت، فامر أن يغسل، فلما اغتسل الشاعر قال يخاطب ابن زياد: يغسل الماء ما فعلت، وقولي * راسخ منك في العظام البوالي.
فرده عبيد الله إلى الحبس، واخذ يتفنن السجانون في تعذيبه، ووصلت في هذه الأثناء من عباد بن زياد إلى أخيه عبيد الله جملة من أشعار ابن مفرع في بني زياد، فازداد غضبه، وبعث إلى يزيد بن معاوية ثانية يستأذنه في قتله، فلم يأذن له، وحذره أشد التحذير من ذلك، وأمره أن يعذبه وينكل به ما شاء ولا يبلغ به ازهاق روحه.
ولكن عبيد الله لم يشف غيظه من الشاعر، على رغم التعذيب والتنكيل، فبعث به إلى أخيه عباد في سجستان من بلاد خراسان، ليشفي هذا غيظه منه أيضا، فلما بلغه، وكل به رجالا أن يسيروا معه إلى كل مكان كتب على جداره شعرا في هجاء بني زياد، فيجبروه على أن يمحوه بأظافيره، فكانوا إذا دخلوا الخانات التي نزلها يوم هرب من خراسان إلى العراق، ألزموه أن يمحو ما وجدوه مكتوبا من شعره، فكان يفعل ذلك حتى ذهبت أظافره، فاخذ يمحوه بعظام أصابعه ودمه، حتى قطعوا الطريق كله على هذا مرحلة مرحلة، ثم ردوه إلى عباد فحبسه، وزاد في تعذيبه، إلى أن ضجت عشيرته، وضجت قبائل اليمن وقريش، وذهبت وفود إلى يزيد بن معاوية في الشام تنذره أن يطلق الشاعر من سجنه في خراسان.
فاضطر يزيد، ان يستجيب لطلب القوم، فبعث رجلا من بني أسد يقال له خمخام - وقيل جهنام - إلى عباد، وأمره ان يذهب إلى الحبس، فيخرج بابن مفرغ ويطلقه، قبل ان يعلم عباد، خشية أن يقتله في السجن اغتيالا، فلما خرج الشاعر من سجنه قربت إليه بغلة من بغال البريد، فركبها، فلما استوى على ظهرها، قال:
عدس (1)، ما " لعباد " عليك إمارة * نجوت، وهذا تحملين طليق فإن الذي نجى من الكرب، بعدما * تلاحم في درب عليك مضيق

(1) عدس: حكاية لصوت البغلة.
(٢٨٨)
التالي
الاولى ١
٣٠٢ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة - آتش حيدر علي فيضي - آصف الدولة - إبراهيم شرارة 4
2 إبراهيم العلوي بن حسين - إبراهيم مجتهد - أبو الحسن شمس آبادي - أبو الفضل الطهراني - أحمد القزويني بن السيد حميد 9
3 أحمد آل كاشف الغطاء - السيد أحمد الخونساري - أبو العلاء المعري 11
4 أحمد بن منير الطرابلسي 14
5 إسماعيل الصفوي 17
6 أفضل الدين الكاشاني 18
7 أسامة بن منقذ - انشاء الله خان - أنيس 20
8 باقر كاشف الغطاء - باقر أمين الورد - باقر سماكة بن الشيخ محمد - باقر عبد الغني - بدران المزيدي 21
9 البرسيين - بزرك أبو الحسن علوي 22
10 تقي الشيخ راضي - توفيق الفكيكي - جابر الشكري بن عزيز - جرأت - جعفر الخليلي 23
11 جعفر همدر 24
12 جواد علوش - جون 27
13 حبيب بن محمد - حسن علي نجابت - حسين الخادمي - ابن سينا 29
14 حسين القزويني 34
15 حسين معتوق - أبو نواس الحسن بن هاني 35
16 حسن البحراني 39
17 الحسين بن نما الحلي 40
18 حيدر الآملي 41
19 حيدري - خضر المهراني - خضر الطائي - الخطاطون في العهد الصفوي 42
20 الخليل الفراهيدي 45
21 خليل مغنية 46
22 خليل ياسين 47
23 دبير - دبيس المزيدي - دعبل الخزاعي 49
24 رجل من بني ليث - ذو فقار الدولة - راضي آل ياسين 50
25 رضي ذو النوري - راغب حرب - رحيم آرباب - زاير البرسي - سبط الحسن الجايسي - سعد صالح 51
26 سعيد نفيسي - سكينة بگم - سليم حيدر 52
27 سليمان عبد الجبار - سودا - شاكر هادي شكر - شهدة - صادق شفق 55
28 صادق الفحام - صالح الشهرستاني - صدر الدين الصدر 57
29 صدر الدين شرف الدين - صدر الدين الدهلوي - صفي 58
30 الضحاك المشرفي - ضياء الدين الخالصي - ضياء الدين العراقي 59
31 طاهر بن يحيى - طه باقر - الطفيل - طلائع بن رزيك 60
32 ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي 61
33 ظالم بن شراق - عابس الشاكري - العباسيون 63
34 عارف الحر 78
35 عباس اقبال 79
36 عباس أبو الحسن 80
37 عباس القمي - عباس الشيرازي - عباس القرشي 81
38 عباس الهمداني 82
39 عبد الحسين دست غيب - عبد الحسين الأميني - عبد الحسين الحلي 83
40 عبد الحسين نور الدين 84
41 عبد الرؤوف الأمين 85
42 عبد الرضا صادق 88
43 عبد الرضا المطبعي - عبد العزيز بن البراج 90
44 عبد الصاحب الحكيم - عبد الكريم الخليل 96
45 عبد الكريم بن طاووس - عبد الكريم الهاشمي - عبد الله الجزائري 99
46 عبد الله التستري - عبد الله الشيرازي - عبد الله الكلبي - عبد الله الطائي 100
47 عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان - عبد الله أحمديه 101
48 عبد الله الشيرازي - عبد الله الصائغ 102
49 عبد الله بن سلمة - عبيد الله الكوفي - عبد المطلب الحلي 105
50 عبد المطلب الأمين 106
51 عبد المهدي مطر 111
52 عبد الله الجعفي - علي إبراهيم 114
53 علي رضا عباسي 116
54 علي أكبر دهخدا 118
55 علي أكبر نواب - علي الأنصاري الشيرازي - سيف الدولة علي بن حمدان 120
56 علي بن عبد الله بن العباس - علي البحراني - علي النوري 123
57 علي آل شبانة - علي البهبهاني - علي الشيرازي 124
58 علي بن الحسن شميم الحلي 125
59 علي بن حمدون - علي المراغي - علي الهمذاني 126
60 علي الميبدي - علي الخياباني - علي الأبزري - علي نياز - عطية الكوفي - عمرو الأنصاري - عمر الصيداوي - غالب 127
61 غلام رضا سرخي - فاضل الجمالي 128
62 فؤاد عباس 147
63 فتى من أهل الكوفة - الفضل بن جعفر - الفضل بن الزبير الكوفي 148
64 القاسم بن معية - القاسم بن مظاهر - قيس النابغة الجعدي 153
65 قيس النجاشي - كليب الجرمي - الكميت 154
66 لطف الله العاملي 159
67 لطف الله البحراني - ماجد الصادقي - عضد الدين المبارك الأسدي 161
68 مجيد العطار 162
69 محمد بن أبي بكر الهمذاني - محسن جمال الدين - محسن الموسوي - محمد أبو نصر الفارابي 163
70 محمد أبو النديم 173
71 محمد بن إدريس الحلي 177
72 محمد باقر - محمد حسين الكازروني - محمد الحسيني - محمد المتخلص - محمد الشيرازي - محمد معصوم - محمد الكازروني الطبيب - محمد الدهدار الشيرازي - محمد نصير الدين 178
73 محمد مهدي حجاب الشيرازي - محمد بن يوسف الشيرازي - محمد بن الحسين الشيخ البهائي 179
74 محمد الغفاري كمال الملك 180
75 محمد باقر الدهلوي - محمد صادق بحر العلوم - محمد بهشتي 182
76 محمد تقي بهار 183
77 محمد الحجة - محمد جمال الهاشمي 184
78 محمد حرز الدين - محمد الخليلي 185
79 محمد حسن الحكيم 186
80 محمد أبو جعفر الطوسي 187
81 محمد تقي الآملي 198
82 محمد جواد باهنر - محمد حسين آزاد - محمد الطباطبائي - محمد رضا الشبيبي 199
83 محمد رضا القمي - محمد شريف خان - محمد مفتح - محمد بن الأبار 203
84 محمد الشويكي 204
85 محمد شرارة 205
86 محمد حسين الشهرستاني 209
87 محمد صادق نشأت - محمد رضا شرف الدين 210
88 محمد آل شبانة - محمد صدوقي 211
89 محمد الأردوبادي - محمد علي بري - محمد الشيباني 212
90 محمد علي خاتون - محمد الصاحبي - محمد الجزائري - محمد المدرسي 217
91 محمد المعصومي - محمد بن طباطبا - محمد جواد - محمد ناصر 218
92 محمد علي اليعقوبي 220
93 محمد بن عمر الكشي - محمد قسام - محمد قطب شاه 221
94 محمد قلي قطب شاه - دول الهند الشيعية - محمد كال شعيب 222
95 محمد المقدادي القمي 224
96 محمد بن المبارك الكرخي - محمد نصير الدين الطوسي 227
97 محمد بن مكي الشهيد الأول - محمد الجبي 236
98 محمد هاشم الأشكوري 239
99 محمد بن هاني الأندلسي 240
100 محمد يوسف مقلد 242
101 محمد بن المبارك الكرخي 243
102 محمد مهدي البصير 244
103 محمود بن الياس الشيرازي - محمود الحبوبي 245
104 محمود الحمصي 248
105 محمود الشاهرودي - محمود الطالقاني - محمود بن مسعود الشيرازي - محيي الدين شمس الدين 249
106 مرتضى مطهري - مزيد المزيدي - مصطفى جواد 251
107 معاذ بن مسلم الهراء - المقداد السيوري - مهيار الديلمي 252
108 موسى الزين شرارة 267
109 موسى سيار الشيرازي - مير أمين - مير حسن - مير آبادي 269
110 ناسخ - ناصر الدين الشيخ راشد - نصر الخبز أرزي 270
111 نصير الدين ناصر العلوكي 271
112 ناصيف النصار 273
113 نصر بن علي الحلي - نصير الدين المنازي - نظير - نواب صفوي 279
114 النوار ابنة مالك - هادي النحوي - هادي كمال الدين - هاشم معروف الحسني 282
115 هبة الله بن علي - ابن الشجري 283
116 ورام الحلي - يحيى القرشي - يزدن التركي 284
117 يزيد بن قيس - يزيد بن زياد الكندي - يزيد بن مفرغ 285
118 يحيى بن البطريق 288
119 يعقوب بن داود 289
120 يوسف بن المطهر - يوسف رجيب - يونس الأردبيلي - الأمويون والإسلام والعروبة 290
121 الشيعة يحمون العالم الإسلامي 295
122 الحجاج بن يوسف 298
123 كلمة الختام 300