تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٧٩
السابق
من خلق السماوات والأرض وما فيها على هذا النمط البديع المنطوى على الحكم الفائقة والمصالح اللائقة فإن علمه عز وجل بجميع الأشياء ظاهرها وباطنها بارزها وكامنها وما يليق بكل واحد منها يستدعي ان يخلق كل ما يخلقه على الوجه الرائق وقرئ وهو بسكون الهاء تشبيها له بعضد «وإذ قال ربك» بيان لأمر آخر من جنس الأمور المتقدمة المؤكدة للإنكار والاستبعاد فإن خلق آدم عليه السلام وما خصه به من الكرامات السنية المحكية من اجل النعم الداعية لذريته إلى الشكر والإيمان الناهية عن الكفر والعصيان وتقرير لمضمون ما قبله من قوله تعالى «خلق لكم ما في الأرض جميعا» وتوضيح لكيفية التصرف والانتفاع بما فيها وتلوين الخطاب بتوجيهه إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة للإيذان بأن فحوى الكلام ليس مما يهتدى اليه بأدلة العقل كالأمور المشاهدة التي نبه عليها الكفرة بطريق الخطاب بل انما طريقة الوحي الخاص به عليه السلام وفي التعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن التبليغ إلى الكمال مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام من الإنباء عن تشريفه عليه السلام ما لا يخفى وإذ ظرف موضوع لزمان نسبة ماضية وقع فيه نسبة أخرى مثلها كما ان إذا موضوع لزمان نسبة مستقبلة يقع فيه أخرى مثلها ولذلك يجب اضافتهما إلى الجمل وانتصابه بمضمر صرح بمثله في قوله عز وجل «واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم» وقوله تعالى «واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد» وتوجيه الامر بالذكر إلى الوقت دون ما وقع فيه من الحوادث مع انها المقصودة بالذات للمبالغة في ايجاب ذكرها لما ان ايجاب ذكر الوقت ايجاب لذكر ما وقع فيه بالطريق البرهاني ولان الوقت مشتمل عليها فإذا استحضر كانت حاضرة بتفاصيلها كأنها مشاهدة عيانا وقيل ليس انتصابه على المفعولية بل على تأويل اذكر الحادث فيه بحذف المظروف وإقامة الظرف مقامه وأياما كان فهو معطوف على مضمر آخر ينسحب عليه الكلام كأنه قيل له عليه السلام غب ما أوحى إليه ما خوطب به الكفرة من الوحي الناطق بتفاصيل الأمور السابقة الزاجرة عن الكفر به تعالى ذكرهم بذلك واذكر لهم هذه النعمة ليتنبهوا بذلك لبطلان ما هم فيه وينتهوا عنه واما ما قيل من أن المقدر هو اشكر النعمة في خلق السماوات والأرض أو تدبر ذلك فغير سديد ضرورة أن مقتضى المقام تذكير المخلين بمواجب الشكر وتنبيههم على ما يقتضيه وأين ذاك من مقامه الجليل صلى الله عليه وسلم وقيل انتصابه بقوله تعالى قالوا ويأباه أنه يقتضى أن يكون هو المقصود بالذات دون سائر القصة وقيل بما سبق من قوله تعالى «وبشر الذين آمنوا» ولا يخفى بعده وقيل بمضمر دل عليه مضمون الآية المتقدمة مثل وبدأ خلقكم إذ قال الخ ولا ريب في أنه لا فائدة في تقييد بدء الخلق بذلك الوقت وقيل بخلقكم أو بأحياكم مضمرا وفيه ما فيه وقيل إذ زائدة ويعزى ذلك إلى أبي عبيد ومعمر وقيل أنه بمعنى قد واللام في قوله عز قائلا «للملائكة» للتبليغ وتقديم الجار والمجرور في هذا الباب مطرد لما في المقول من الطول غالبا مع ما فيه من
(٧٩)
التالي
الاولى ١
٢٧٨ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 2
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 6
3 2 - سورة البقرة 19
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 70
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 96
6 وإذا استسقى موسى لقومه 104
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 115
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 129
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 141
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 153
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 169
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 180
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 191
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 202
15 واذكروا الله في أيام معدودات 209
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 217
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 229
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 236
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 244
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 257
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 263
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 270