تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٧٢
السابق
الحديثين الكريمين تركه تعذيب ذي الشيبة وتخييب العبد من عطائه بترك من يتركهما حياء كذلك إذا نفى عنه تعالى في المواد الخاصة كما في هذه الآية الشريفة وفي قوله تعالى «والله لا يستحيي من الحق» يراد به سلب ذلك الترك الخاص المضاهي لترك المستحي عنه لا سلب وصف الحياء عنه تعالى رأسا كما في قولك إن الله لا يوصف بالحياء لأن تخصيص السلب ببعض المواد يوهم كون الإيجاب من شأنه تعالى في الجملة فالمراد ههنا عدم ترك ضرب المثل المماثل لترك من يستحي من ضربه وفيه رمز إلى تعاضد الدواعي إلى ضربه وتآخذ البواعث إليه إذ الاستحياء إنما يتصور في الأفعال المقبولة للنفس المرضية عندها ويجوز أن يكون وروده على طريقة المشاكلة فإنهم كانوا يقولون أما يستحي رب محمد أن يضرب مثلا بالأشياء المحقرة كما في قول من قال * من مبلغ أفناء يعرب كلها * أني بنيت الجار قبل المنزل * وضرب المثل استعماله في مضربه وتطبيقه به لا صنعه وإنشاؤه في نفسه والا لكان إنشاء الأمثال السائرة في مواردها ضربا لها دون استعمالها بعد ذلك في مضاربها لفقدان الإنشاء هناك والأمثال الواردة في التنزيل وإن كان استعمالها في مضاربها عين إنشائها في أنفسها لكن التعبير عنه بالضرب ليس بهذا الاعتبار بل بالاعتبار الأول قطعا وهوما وهو مأخوذ إما من ضرب الخاتم بجامع التطبيق فكما أن ضربه تطبيقه بقالبه كذلك استعمال الأمثال في مضاربها تطبيقها بها كأن المضارب قوالب تضرب الأمثال على شاكلتها لكن لا بمعنى أنها تنشأ بحسبها بعد أن لم تكن كذلك بل بمعنى أنها تورد منطبقة عليها سواء كان إنشاؤها حينئذ كعامة الأمثال التنزيلية فإن مضاربها قوالبها أو قبل ذلك كسائر الأمثال السائرة فإنها وإن كانت مصنوعة من قبل إلا أن تطبيقها أي إيرادها منطبقة على مضاربها إنما يحصل عند الضرب وإما من ضرب الطين عى الجدار ليلتزق به بجامع الإلصاق كأن من يستعملها يلصقها بمضاربها ويجعلها ضربة لازب لا تنفك عنها لشدة تعلقها بها ومحل أن يضرب على تقدير تعدية يستحي بنفسه النصب على المفعولية وأما على تقدير تعديته بالجار فعند الخليل الخفض بإضمار من وعند سيبويه النصب بافضاء الفعل إليه بعد حذفها ومثلا مفعول ليضرب وما اسمية إبهامية تزيد ما تقارنه من الاسم المنكر إبهاما وشياعا كما في قولك أعطني كتابا ما كأنه قيل مثلا ما من الأمثال أي مثل كان فهي صفة لما قبلها أو حرفية مزيدة لتقوية النسبة وتوكيدها كما في قوله تعالى «فبما رحمة من الله» وبعوضة بدل من مثلا أو عطف بيان عند من يجوز في النكرات أو مفعول ليضرب ومثلا حال تقدمت عليها لكونها نكرة أو هما مفعولاه لتضمنه معنى الجعل والتصيير وقرئ بالرفع على انه خبر مبتدأ محذوف أي هو بعوضة والجملة على تقدير كون ما موصوله صلة لها محذوفة الصدر كما في قوله تعالى «تماما على الذي أحسن» على قراءة الرفع وعلى تقدير كونها موصوفة صفة لها كذلك ومحل ما على الوجهين النصب على أنه بدل من مثلا أو على انه مفعول ليضرب وعلى تقدير كونها إبهامية صفة لمثلا كذلك واما على تقدير كونها استفهامية فهي خبر لها كأنه لما ورد استبعادهم ضرب المثل قيل ما بعوضة وأي مانع فيها حتى لا يضرب بها المثل بل له تعالى أن يمثل بما هو أصغر منها وأحقر كجناحها على ما وقع في قوله صلى الله عليه وسلم لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء والبعوض فعول من البعض وهو القطع كالبضع والعضب غلب على هذا النوع كالخموش في لغة هذيل من الخمش وهو الخدش «فما فوقها» عطف على بعوضة على
(٧٢)
التالي
الاولى ١
٢٧٨ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 2
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 6
3 2 - سورة البقرة 19
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 70
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 96
6 وإذا استسقى موسى لقومه 104
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 115
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 129
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 141
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 153
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 169
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 180
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 191
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 202
15 واذكروا الله في أيام معدودات 209
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 217
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 229
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 236
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 244
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 257
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 263
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 270