تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٢٥٩
السابق
أقبل عليهم بالخطاب إثر بيان ما بين بطريق الغيبة مبالغة في إيجاب العمل بموجب النهى «لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى» أي لا تحبطوا أجرها بواحد منهما «كالذي» في محل النصب إما على أنه نعت لمصدر محذوف أي لا تبطلوها إبطالا كإبطال الذي «ينفق ماله رئاء الناس» وإما على أنه حال من فاعل لا تبطلوا أي لا تبطلوها مشابهين الذي ينفق أي الذي يبطل إنفاقه بالرياء وقيل من ضمير المصدر المقدر على ما هو رأى سيبويه وانتصاب رئاء إما على أنه علة لينفق أي لأجل رئائهم أو على أنه حال من فاعله أي ينفق ماله مرائيا والمراد به المنافق لقوله تعالى «ولا يؤمن بالله واليوم الآخر» حتى يرجوا ثوابا أو يخشى عقابا «فمثله» الفاء لربط ما بعدها بما قبلها أي فمثل المرائي في الإنفاق وحالته العجيبة «كمثل صفوان» أي حجر أملس «عليه تراب» أي شئ يسير منه «فأصابه وابل» أي مطر عظيم القطر «فتركه صلدا» ليس عليه شئ من الغبار أصلا «لا يقدرون على شيء مما كسبوا» لا ينتفعون بما فعلوا رئاء ولا يجدون له ثوابا قطعا كقوله تعالى فجعلناه هباء منثورا والجملة استئناف مبنى على السؤال كأنه قيل فماذا يكون حالهم حينئذ فقيل لا يقدرون الخ ومن ضرورة كون مثلهم كما ذكر كون مثل من يشبههم وهم أصحاب المن والأذى كذلك والضميران الأخيران للموصول باعتبار المعنى كما في قوله عز وجل وخضتم كالذي خاضوا لما أن المراد به الجنس أو الجمع أو الفريق كما أن الضمائر الأربعة السابقة له باعتبار اللفظ «والله لا يهدي القوم الكافرين» إلى الخير والرشاد والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبله وفيه تعريض بأن كلا من الرياء والمن والأذى من خصائص الكفار ولا بد للمؤمنين أن يجتنبوها «ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله» أي لطلب رضاه «وتثبيتا من أنفسهم» أي ولتثبيت بعض أنفسهم على الإيمان فمن تبعيضية كما في قولهم هز من عطفه وحرك من نشاطه فإن المال شقيق الروح فمن بذل ماله لوجه الله تعالى فقد ثبت بعض نفسه ومن بذل ماله وروحه فقد ثبتها كلها أو وتصديقا للإسلام وتحقيقا للجزاء من أصل أنفسهم فمن ابتدائية كما في قوله تعالى حسدا من عند أنفسهم ويحتمل أن يكون المعنى وتثبيتا من أنفسهم عند المؤمنين أنها صادقة الإيمان مخلصة فيه ويعضده قراءة من قرأ وتبيينا من أنفسهم وفيه تنبيه على أن حكمة الإنفاق للمنفق تزكية النفس عن البخل وحب المال الذي هو رأس كل خطيئة «كمثل جنة بربوة» الربوة بالحركات الثلاث وقد قرئت بها المكان المرتفع أي مثل نفقتهم في الزكاة كمثل بستان كائن بمكان مرتفع مأمون من أن يصطلمه البرد للطافة هوائه بهبوب الرياح الملطفة له فإن أشجار الربا تكون أحسن منظرا وأزكى ثمرا وأما الأراضي المنخفضة فقلما تسلم ثمارها من البرد لكثافة هوائها بركود الرياح وقرئ كمثل حبة «أصابها وابل» مطر عظيم القطر «فآتت أكلها» ثمرتها وقرئ بسكون الكاف تخفيفا «ضعفين» أي مثلي ما كانت تثمر في سائر الأوقات بسبب ما أصابها من
(٢٥٩)
التالي
الاولى ١
٢٧٨ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 2
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 6
3 2 - سورة البقرة 19
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 70
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 96
6 وإذا استسقى موسى لقومه 104
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 115
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 129
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 141
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 153
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 169
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 180
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 191
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 202
15 واذكروا الله في أيام معدودات 209
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 217
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 229
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 236
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 244
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 257
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 263
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 270