تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٩٧
السابق
صدور الكتب عنه تعالى بل من حيث تعلقه بهم تعلقا فعليا مستتبعا لوجوب الأداء كما ينبئ عنه البناء للمفعول وكلمة الإيجاب ولا مساغ لجعل العامل هو الوصية لتقدمه عليها وقيل هو مبتدأ خبره للوالدين والجملة جواب الشرط بإضمار الفاء كما في قوله * من يفعل الحسنات الله يشكرها * ورد بأنه إن صح فمن ضرورة الشعر ومعنى كتب فرض وكان هذا الحكم في بدء الإسلام ثم نسخ عند نزول آية المواريث بقوله عليه السلام إن الله قد أعطى كل ذي حقه ألا لا وصية لوارث فإنه وإن كان من أخبار الآحاد لكن حيث تلقته الأمة بالقبول انتظم في سلك المتواتر في صلاحيته للنسخ عند أئمتنا على أن التحقيق أن الناسخ حقيقة هي آية المواريث وإنما الحديث مبين لجهة نسخها ببيان أنه تعالى كان قد كتب عليكم أن تؤدوا إلى الوالدين والأقربين حقوقهم بحسب استحقاقهم من غير تبيين لمراتب استحقاقهم ولا تعيين لمقادير أنصبائهم بل فوض ذلك إلى آرائكم حيث قال «بالمعروف» أي بالعدل فالآن قد رفع ذلك الحكم عنكم لتبيين طبقات استحقاق كل واحد منهم وتعيين مقادير حقوقهم بالذات وأعطى كل ذي حق منهم حقة الذي يستحقه بحكم القرابة من غير نقص ولا زيادة ولم يدع ثمة شيئا فيه مدخل لرأيكم أصلا حسبما يعرب عنه الجملة المنفية بلا النافية للجنس وتصويرها بكلمة التنبيه إذا تحققت هذا ظهر لك أن ما قيل من أن آية المواريث لا تعارضه بل تحققه وتؤكده من حيث أنها تدل على تقديم الوصية مطلقا والحديث من الآحاد وتلقى الأمة إياه بالقبول لا يلحقه بالمتواتر ولعلة احترز عنه من فسر الوصية بما أوصى به الله عز وجل من توريث الوالدين والأقربين بقوله تعالى يوصيكم الله أو بايصاء المحتضر لهم بتوفير ما أوصى به الله تعالى عليهم بمعزل من التحقيق وكذا ما قيل من أن الوصية للوارث كانت واجبة بهذه الآية من غير تعيين لأنصبائهم فلما نزلت آية المواريث بيانا للانصباء فهم منها بتنبيه النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد هذه الوصية التي كانت واجبة كأنه قيل إن الله تعالى أوصى بنفسه تلك الوصية ولم يفوضها إليكم فقام الميراث مقام الوصية فكان هذا معنى للنسخ لا أن فيها دلالة على رفع ذلك الحكم فإن مدلول آية الوصية حيث كان تفويضا للأمر إلى آراء المكلفين على الإطلاق وتسنى الخروج عن عهده التكليف بأداء ما أدى إليه آراؤهم بالمعروف فتكون آية المواريث الناطقة بمراتب الاستحقاق وتفاصيل مقادير الحقوق القاطعة بامتناع الزيادة والنقص بقوله تعالى فريضة من الله ناسخة لها رافعة لحكمها مما لا يشتبه على أحد وقوله تعالى «حقا على المتقين» مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا «فمن بدله» أي غيره من الأوصياء والشهود «بعد ما سمعه» أي بعد ما وصل إليه وتحقق لديه «فإنما إثمه» أي إثم الإيصاء المغير أو إثم التبديل «على الذين يبدلونه» لأنهم خانوا وخالفوا حكم الشرع ووضع الموصول في موضع الضمير الراجع إلى من لتأكيد الإيذان بعلية ما في حيز الصلة الأولى وإيثار الجمع للإشعار بتعداد المبدلين أنواعا أو كثرتهم افرادا والإيذان بشمول الإثم لجميع الأفراد «إن الله سميع عليم» وعيد شديد للمبدلين
(١٩٧)
التالي
الاولى ١
٢٧٨ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 2
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 6
3 2 - سورة البقرة 19
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 70
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 96
6 وإذا استسقى موسى لقومه 104
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 115
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 129
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 141
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 153
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 169
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 180
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 191
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 202
15 واذكروا الله في أيام معدودات 209
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 217
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 229
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 236
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 244
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 257
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 263
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 270