تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٨٩
السابق
لإنكار الوقوع كالتي في قوله تعالى أو لو كنا كارهين وكلمة لو في أمثال هذا المقام ليست لبيان انتفاء الشئ في الزمان الماضي لانتفاء غيره فيه فلا يلاحظ لها جواب قد حذف ثقة بدلالة ما قبلها عليه بل هي لبيان تحقق ما يفيده الكلام السابق بالذات أو بالواسطة من الحكم الموجب أو المنفي على كل حال مفروض من الأحوال المقارنة له على الإجمال بإدخالها على أبعدها منه وأشدها منافاة له ليظهر بثبوته أو انتفائه معه ثبوته أو انتفاؤه مع ما عداه من الأحوال بطريق الأولية لما أن الشئ متى تحقق مع المنافى القوى فلأن يتحقق مع غيره أولى ولذلك لا يذكر معه شئ من سائر الأحوال ويكتفى عنه بذكر الواو العاطفة للجملة على نظيرتها المقابلة لها المتناولة لجميع الأحوال المغايرة لها وهذا معنى قولهم إنها لاستقصاء الأحوال على سبيل الإجمال وهذا المعنى ظاهر في الخبر الموجب والمنفى والأمر والنهى كما في قولك فلان جواد يعطى ولو كان فقيرا وبخيل لا يعطى ولو كان غنيا وقولك أحسن إليه ولو أساء إليك ولا تهنه ولو أهانك لبقائه على حاله وأما فيما نحن فيه نوع خفاء ناشئ من ورود الإنكار عليه لكن الأصل في الكل واحد إلا أن كلمة لو في الصور المذكورة متعلقة بنفس الفعل المذكور قبلها وأن ما يقصد بيان تحققه على كل حال هو نفس مدلوله وأن الجملة حال من ضميره أو مما يتعلق به وأن ما في حيز لو باق على ما هو عليه من الاستبعاد غالبا بخلاف ما نحن فيه لما أن كلمة لو متعلقة فيه بفعل مقدر يقتضيه المذكور وأن ما يقصد بيان تحققه على كل حال مدلوله لا مدلول المذكور من حيث هو مدلولة وأن الجملة حال مما يتعلق به لا مما يتعلق بالمذكور من حيث هو متعلق به وأن المقصود الأصلي إنكار مدلوله باعتبار مقارنته للحالة المذكورة وأما تقدير مقارنته لغيرها فلتوسيع الدائرة وإن ما في حيز لو لا يقصد استبعاده في نفسه بل يقصد الإشعار بأنه أمر محقق إلا أنه أخرج مخرج الاستبعاد معاملة مع المخاطبين على معتقدهم لئلا يلبسوا من التصريح بنسبة آبائهم إلى كمال الجهالة والضلالة جلد النمر فيركبوا متن العناد ومبالغة في الإنكار من جهة اتباعهم لآبائهم حيث كان منكرا مستقبحا عند احتمال كون آبائهم كما ذكر احتمالا بعيدا فلان يكون منكرا عند تحقق ذلك أولى والتقدير أيتبعون ذلك لو لم يكن آباؤهم لا يعقلون شيئا من الدين ولا يهتدون للصواب ولو كانوا كذلك فالجملة في حيز النصب على الحالية من آبائهم على طريقة قوله تعالى أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا كأنه قيل أيتبعون دين آبائهم حال كونهم غافلين وجاهلين ضالين إنكارا لما أفاده كلامهم من الاتباع على أي حالة كانت من الحالتين غير أنه اكتفى بذكر الحالة الثانية تنبيها على أنها هي الواقعة في نفس الأمر وتعويلا على اقتضائها للحالة الأولى اقتضاء بينا فإن اتباعهم الذي تعلق به الإنكار حيث تحقق مع كونه آبائهم جاهلين ضالين فلأن يتحقق مع كونهم عاقلين ومهتدين أولى أن قلت الإنكار المستفاد من الاستفهام الإنكاري بمنزلة النفي ولا ريب في أن الأولوية في صورة النفي معتبرة بالنسبة إلى النفي ألا يرى أن الأولى بالتحقق فيما ذكر من مثال النفي عند الحالة المسكوت عنها أعنى عدم الغني هو عدم الإعطاء لا نفسه فكان ينبغي أن يكون الأولى بالتحقق فيما نحن فيه عند الحالة المسكوت عنها وهي حالة كون آبائهم عاقلين ومهتدين إنكار الا تباع لا نفسه إذ هو الذي يدل عليه أيتبعون ا الخ فلم اختلفت الحال بينهما قلت لما أن مناط الأولوية هو الحكم الذي أريد بيان تحققه على كل حال وذلك
(١٨٩)
التالي
الاولى ١
٢٧٨ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 2
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 6
3 2 - سورة البقرة 19
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 70
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 96
6 وإذا استسقى موسى لقومه 104
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 115
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 129
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 141
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 153
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 169
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 180
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 191
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 202
15 واذكروا الله في أيام معدودات 209
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 217
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 229
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 236
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 244
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 257
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 263
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 270