تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٦٩
السابق
والنصرانية وتبنون دخول الجنة والاهتداء عليهما وتقولون تارة لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وتارة كونوا هودا أو نصارى تهتدوا «وهو ربنا وربكم» جملة حالية وكذلك ما عطف عليها أي أتجادلوننا والحال أنه لا وجه للمجادلة أصلا لأنه تعالى ربنا أي مالك أمرنا وأمركم «ولنا أعمالنا» الحسنة الموافقة لأمرة «ولكم أعمالكم» السيئة المخالفة لحكمة «ونحن له مخلصون» في تلك الأعمال لا نبتغي بها إلا وجهة فأني لكم المحاجة وادعاء حقية ما أنتم عليه والطمع في دخول الجنة بسببه ودعوة الناس إليه وكلمة أم في قوله تعالى «أم تقولون» إما معادلة للهمزة في قوله تعالى أتحاجوننا داخلة في حيز الأمر على معنى أي الأمرين تأتون إقامة الحجة وتنوير البرهان على حقية ما أنتم عليه والحال ما ذكر أم التشبث بذيل التقليد والافتراء على الأنبياء وتقولون «إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى» فنحن بهم مقتدون والمراد إنكار كلا الأمرين والتوبيخ عليهما وإما منقطعة مقدرة ببل والهمزة دالة على الإضراب والانتقال من التوبيخ على المحاجة إلى التوبيخ على الافتراء على الأنبياء عليهم السلام وقرئ أم يقولون على صيغة الغيبة فهي منقطعة لا غير غير داخلة تحت الأمر واردة من جهته تعالى توبيخا لهم وإنكارا عليهم لا من جهته عليه السلام على نهج الالتفات كما قيل هذا وأما ما قيل من أن المعنى أتحاجوننا في شأن الله واصطفائه نبيا من العرب دونكم لما روى أن أهل الكتاب قالوا الأنبياء كلهم منا فلو كنت نبيا لكنت منا فنزلت ومعنى قوله تعالى «وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم» أنه لا اختصاص له تعالى بقوم دون قوم يصيب برحمته من يشاء من عباده فلا يبعد أن يكرمنا بأعمالنا كما أكرمكم بأعمالكم كأنه ألزمهم على كل مذهب ينتحونه إفحاما وتبكيتا فإن كرامة البنوة إما تفضل من الله تعالى على من يشاء فالكل فيه سواء وإما إفاضة حق على المستحقين لها بالمواظبة على الطاعة والتجلي بالإخلاص فكما أن لكم أعمالا ربما يعتبرها الله تعالى في إعطائها فلنا أيضا أعمال ونحن له مخلصون أي لا أنتم فمع عدم ملاءمته لسياق النظم الكريم وسياقه لا سيما على تقدير كون كلمة أم معادلة للهمزة غير صحيح في نفسه لما أن المراد بالأعمال من الطرفين ما أشير إليه من الأعمال الصالحة والسيئة ولا ريب في أن أمر الصلاح والسوء يدور على موافقة الدين المبنى على البعثة ومخالفته فكيف يتصور اعتبار تلك الأعمال في استحقاق النبوة واستعدادها المتقدم على البعثة بمراتب «قل أأنتم أعلم أم الله» إعادة الأمر ليست لمجرد تأكيد التوبيخ وتشديد الإنكار عليهم بل للإيذان بأن ما بعده ليس متصلا بما قبله بل بينهما كلام للمخاطبين مترتب على ما سبق مستتبع لما لحق قد ضرب عنه الذكر صفحا لظهوره وهو تصريحهم بما وبخوا عليه من الافتراء على الأنبياء عليهم السلام كما في قوله عز وجل قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون قال فما خطبكم أيها المرسلون وقوله عز قائلا قال أأسجد لمن خلقت طينا قال أرأيتك هذا الذي كرمت على فإن تكرير قال في الموضعين وتوسيطه بين قولي قائل واحد
(١٦٩)
التالي
الاولى ١
٢٧٨ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 2
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 6
3 2 - سورة البقرة 19
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 70
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 96
6 وإذا استسقى موسى لقومه 104
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 115
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 129
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 141
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 153
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 169
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 180
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 191
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 202
15 واذكروا الله في أيام معدودات 209
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 217
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 229
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 236
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 244
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 257
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 263
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 270