تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٣٧
السابق
الأشياء المدفونة من بعض الوجوه ثم بعد موته وإطلاع الناس على تلك الكتب أو هموهم أنه من عمل سليمان عليه السلام وأنه ما بلغ هذا المبلغ إلا بسبب هذه الأشياء «وما كفر سليمان» تنزيه لساحته عليه السلام عن السحر وتكذيب لمن افترى عليه بأنه كان يعتقده ويعمل به والتعرض لكونه كفرا للمبالغة في إظهار نزاهته عليه لسلام وكذب باهتيه بذلك «ولكن الشياطين» وقرئ بتخفيف لكن ورفع الشياطين والواو عاطفة للجملة الاستدراكية على ما قبلها وكون المخففة عند الجمهور للعطف إنما هو عند عدم الواو وكون ما بعدها مفردا «كفروا» باستعمال السحر وتدوينه «يعلمون الناس السحر» إغواء وإضلالا والجملة في محل النصب على الحالية من ضمير كفروا أو من الشياطين فإن ما في لكن من رائحة الفعل كاف في العمل في الحال أو في محل الرفع على انه خبر ثان للكن أو بدل من الخبر الأول وصيغة الاستقبال للدلالة على استمرار التعليم وتجدده أو جملة مستأنفة هذا على تقدير كون الضمير للشياطين وأما على تقدير رجوعه إلى فاعل اتبعوا فهي إما حال منه وإما استئنافية فحسب واعلم أن السحر أنواع منها سحر الكلدانيين الذين كانوا في قديم الدهر وهم قوم يعبدون الكواكب ويزعمون انها هي المدبرة لهذا العالم ومنها تصدر الخيرات والشرور والسعادة والنحوسة ويستحدثون الخوارق بواسطة تمزيج القوى السماوية بالقوى الأرضية وهم الذين بعث الله تعالى إبراهيم عليه الصلاة والسلام لإبطال مقالتهم وهم ثلاث فرق ففرقة منهم يزعمون أن الأفلاك والنجوم واجبة الوجود لذواتها وهم الصائبة وفرقة يقولون بإلهية الأفلاك ويتخذون لكل واحد منها هيكلا ويشتغلون بخدمتها وهم عبدة الأوثان وفرقة أثبتوا للأفلاك وللكواكب فاعلا مختارا لكنهم قالوا إنه أعطاها قوة عالية نافذة في هذا العالم وفوض تدبيره إليها ومنها سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية فإنهم يزعمون أن الإنسان تبلغ روحه بالتصفية في القوة والتأثير إلى حيث يقدر على الإيجاد والإعدام والإحياء وتغيير البنية والشكل ومنها سحر من يستعين بالأرواح الأرضية وهو المسمى بالعزائم وتسخير الجن ومنها التخييلات الآخذة بالعيون وتسمى الشعوذة ولا خلاف بين الأمة في أن من اعتقد الأول فقد كفر وكذا من اعتقد الثاني وهو سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية وإما من اعتقد أن الإنسان يبلغ بالتصفية وقراءة العزائم والرقى إلى حيث يخلق الله سبحانه وتعالى عقيب ذلك على سبيل جريان العادة بعض الخوارق فالمعتزلة اتفقوا على أنه كافر لأنه لا يمكنه بهذا الاعتقاد معرفة صدق الأنبياء والرسل بخلاف غيرهم ولعل التحقيق ان ذلك الإنسان إن كان خيرا متشرعا في كل ما يأتي ويذر وكان من يستعين به من الأرواح الخيرة وكانت عزائمه ورقاه غير مخالفة لأحكام الشريعة الشريفة ولم يكن فيما ظهر في يده من الخوارق ضرر شرعي لأحد فليس ذلك من قبيل السحر وإن كان شريرا غير متمسك بالشريعة الشريفة فظاهر أن من يستعين به من الأرواح الخبيثة الشريرة لا محالة ضرورة امتناع تحقق التضام والتعاون بينهما من غير اشتراك في الخبث والشرارة فيكون كافرا قطعا وأما الشعوذة وما يجرى مجراها من إظهار الأمور العجيبة بواسطة ترتيب الآلات الهندسية وخفة اليد والاستعانة بخواص الأدوية والأحجار فإطلاق السحر عليها بطريق التجوز أو لما فيها
(١٣٧)
التالي
الاولى ١
٢٧٨ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 2
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 6
3 2 - سورة البقرة 19
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 70
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 96
6 وإذا استسقى موسى لقومه 104
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 115
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 129
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 141
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 153
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 169
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 180
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 191
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 202
15 واذكروا الله في أيام معدودات 209
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 217
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 229
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 236
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 244
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 257
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 263
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 270