تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٣٦
السابق
بها وقيل كتاب الله القرآن نبذوه بعد ما لزمهم تلقيه بالقبول لا سيما بعد ما كانوا يستفتحون به من قبل فإن ذلك قبول له وتمسك به فيكون الكفر به عند مجيئه نبذا له كأنه قيل كتاب الله الذي جاء به فإن مجيء الرسول معرب عن مجيء الكتاب «وراء ظهورهم» مثل لتركهم وإعراضهم عنه بالكلية مثل بما يرمى به وراء الظهر استغناء عنه وقلة التفات إليه «كأنهم لا يعلمون» جملة حالية أي نبذوه وراء ظهورهم مشبهين بمن لا يعلمه فإن أريد بهم أحبارهم فالمعنى كأنهم لا يعلمونه على وجه الإيقان ولا يعرفون ما فيه من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام ففيه إيذان بأن علمهم به رصين لكنهم يتجاهلون أو كأنهم لا يعلمون أنه كتاب الله أو لا يعلمونه أصلا كما إذا أريد بهم الكل وفي هذين الوجهين زيادة مبالغة في إعراضهم عما في التوراة من دلائل النبوة هذا وإن أريد بما نبذوه من كتاب الله القرآن فالمراد بالعلم النفي في قوله تعالى «كأنهم لا يعلمون» هو العلم بأنه كتاب الله ففيه ما في الوجه الأول من الإشعار بأنهم متيقنون في ذلك وإنما يكفرون به مكابرة وعنادا قيل إن جيل اليهود أربع فرق ففرقة آمنوا بالتوراة وقاموا بحقوقها كمؤمني أهل الكتاب وهم الأقلون المشار إليهم بقوله عز وجل «بل أكثرهم لا يؤمنون» وفرقة جاهروا بنبذ العهود وتعدى الحدود تمردا وفسوقا وهم المعنيون بقوله تعالى «نبذه فريق منهم» وفرقة لم يجاهروا بنبذها ولكن نبذوها لجهلهم بها وهم الأكثرون وفرقة تمسكوا بها ظاهرا ونبذوها خفية وهم المتجاهلون «واتبعوا ما تتلوا الشياطين» عطف على جواب لما أي نبذوا كتاب الله واتبعوا كتب السحرة التي كانت تقرأها الشياطين وهم المتمردون من الجن وتتلو حكاية حال ماضية والمراد بالاتباع التوغل والتمحض فيه والإقبال عليه بالكلية وإلا فأصل الاتباع كان حاصلا قبل مجئ الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يتسنى عطفه على جواب لما ولذلك قيل هو معطوف على الجملة وقيل على أشربوا «على ملك سليمان» أي في عهد ملكه قيل كانت الشياطين يسترقون السمع ويضمون إلى ما سمعوا أكاذيب يلفقونها ويلقونها إلى الكهنة وهم يدونونها ويعلمونها الناس وفشا ذلك في عهد سليمان عليه السلام حتى قيل إن الجن تعلم الغيب وكانوا يقولون هذا علم سليمان وما تم له ملكه إلا بهذا العلم وبه سخر الإنس والجن والطير والريح التي تجرى بأمره وقيل إن سليمان عليه السلام كان قد دفن كثيرا من العلوم التي خصه الله تعالى بها تحت سرير ملكه فلما مضت على ذلك مدة توصل إليها قوم من المنافقين فكتبوا في خلال ذلك أشياء من فنون السحر تناسب تلك
(١٣٦)
التالي
الاولى ١
٢٧٨ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 2
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 6
3 2 - سورة البقرة 19
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 70
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 96
6 وإذا استسقى موسى لقومه 104
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 115
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 129
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 141
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 153
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 169
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 180
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 191
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 202
15 واذكروا الله في أيام معدودات 209
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 217
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 229
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 236
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 244
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 257
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 263
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 270