تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٢٤
السابق
في التوراة وقوله تعالى «لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم» كما قبله أخبار في معنى النهى غير السبك إليه لما ذكر من نكته المبالغة والمراد به النهى الشديد عن تعرض بعض بنى إسرائيل لبعض بالقتل والإجلاء والتعبير عن ذلك بسفك دماء أنفسهم وإخراجها من ديارهم بناء على جريان كل واحد منهم مجرى أنفسهم لما بينهم من الاتصال القوى نسبا ودينا للمبالغة في في الحمل على مراعاة حقوق الميثاق بتصوير المنهى عنه بصورة تكرهها كل نفس وتنفر عنه كل طبيعة فضمير أنفسكم للمخاطبين حتما إذ به يتحقق تنزيل المخرجين منزلتهم كما إن ضمير دياركم للمخرجين قطعا إذ المحذور أنما هو أخراجهم من ديارهم لا من ديار المخاطبين من حيث أنهم مخاطبون كما يفصح عنه ما سيأتي من قوله تعالى «من ديارهم» وأنما الخطاب ههنا باعتبار تنزيل ديارهم منزلة ديار المخاطبين بناء على تنزيل أنفسهم منزلتهم لتأكيد المبالغة وتشديد التشنيع وأما ضمير دماءكم فمحتمل لوجهين مفاد الأول كون المسفوك دماءا دعائية للمخاطبين حقيقة ومفاد الثاني كونه دماء حقيقية للمخاطبين ادعاء وهما متقاربان في إفادة المبالغة فتدبر واما ما قيل من أن المعنى لا تباشروا ما يؤدى إلى قتل أنفسكم قصاصا أو ما يبيح سفك دمائكم وإخراجكم من دياركم أو لا تفعلوا ما يرديكم ويصرفكم عن الحياة الأبدية فإنه القتل في الحقيقة ولا تقترفوا ما تحرمون به عن الجنة التي هي داركم فإنه الجلاء الحقيقي فمما لا يساعده سياق النظم الكريم بل هو نص فيما قلناه كما ستقف عليه «ثم أقررتم» أي بالميثاق وبوجوب المحافظة عليه «وأنتم تشهدون» توكيد للإقرار كقولك أقر فلان شاهدا على نفسه وأنتم أيها الحاضرون تشهدون اليوم على إقرار اسلافكم بهذا الميثاق «ثم أنتم هؤلاء» خطاب خاص في الحاضرين فيه توبيخ شديد واستبعاد قوى لما ارتكبوه بعد ما كان من الميثاق به والشهادة عليه فأنتم مبتدأ وهؤلاء خبره ومناط الإفادة اختلاف الصفات المنزل منزلة اختلاف الذات والمعنى أنتم بعد ذلك هؤلاء المشاهدون الناقضون المتناقضون حسبما تعرب عنه الجمل الآتية فإن قوله عز وجل «تقتلون أنفسكم» الخ بيان له وتفصيل لأحوالهم المنكرة المندرجة تحت الإشارة ضمنا كأنهم قالوا كيف نحن فقيل تقتلون أنفسكم أي الجارين مجرى أنفسكم كما أسير اليه وقرئ تقتلون بالتشديد للتكثير «وتخرجون فريقا منكم» الضمير أما للمخاطبين والمضاف محذوف أي من أنفسكم واما للمقتولين والخطاب باعتبار أنهم جعلوا أنفس المخاطبين والا فلا يتحقق التكافؤ بين المقتولين والمخرجين في ذلك العنوان الذي عليه يدور فلك المبالغة في تأكيد الميثاق حسبما نص عليه ولا يظهر كمال قباحة
(١٢٤)
التالي
الاولى ١
٢٧٨ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 2
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 6
3 2 - سورة البقرة 19
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 70
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 96
6 وإذا استسقى موسى لقومه 104
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 115
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 129
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 141
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 153
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 169
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 180
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 191
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 202
15 واذكروا الله في أيام معدودات 209
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 217
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 229
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 236
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 244
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 257
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 263
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 270