مال المسلمين.
وقوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله...) الآية:
عبد العزيز، و الحسن، و عطاء، و سفيان الثوري، و زفر إلى إرث ورثته المسلمين من تركته.
و الحسن و عطاء، و الصاحبان من الحنفية إلى أن جميع ماله الذي كسبه في الإسلام وبعد ردته يكون موروثا لورثته المسلمين. وذهب الإمام أبو حنيفة، و سفيان الثوري، وزفر إلى أن الذي يورث هو كسب إسلامه دون كسب ردته فإنه يكون فيئا.
استدل القاتلون بعدم إرث الورثة المسلمين:
أولا: بما رواه البراء بن عازب قال: مر بي خالي أبو بردة ومعه الراية، فقلت: إلى أين تذهب؟ فقال:
أرسلني رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى رجل نكح امرأة أبيه أن أقتله و أخذ ماله. دلت الرواية على أن مال المرتد فيء و ليس لورثته، فإن إرسال الرسول الرجل لمن فعل فعلا يخرجه عن الإسلام، و أمره بقتله - دليل على أنه ارتد بفعله.
و ثانيا: بما روى معاوية بن قرة عن أبيه، " أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم بعث جد معاوية إلى رجل عرس بامرأة أبيه أن يضرب عنقه، و يخمس ماله " و هذا يدل على أن مال ذلك الرجل كان مغنوما بالمحاربة، ولذلك أخذ منه الخمس.
و نوقش الحديثان:
بأن الرسول صلى الله عليه وآله و سلم إنما فعل ذلك، لأن كلا من الرجلين، كان محاربا بسبب استحلاله لأمر محظور شرعا، فكان ماله مغنوما. و دليل ذلك: أنم الراية إنما تعقد للمحاربة لا لغيرها. و إذا كان مغنوما، فلا حق لورثته و الحالة هذا لكونه فيئا.
و استدلوا ثانيا: بأن المرتد كافر بردته، والمسلم لا يرث الكافر.
ونوقش بالفرق بين المرتد و الكافر، فإن ملك المرتد فيما كسبه قبل الردة كان صحيحا، فلم تجز غنيمته، إذ لا تغنم أموال المسلمين، لصحة ملكهم له. و إن جاز غنيمة ما كسبه بعد الردة لمحاربته الله و الرسول، فكان كالمربي في أمواله. وبهذا يتبين أن مال المرتد غير مال الكافر، و كيف يكون مثله و المرتد غير مقر على ما انتقل إليه، و لا يحل التزوج بالمرتدة و لا أكل ذبيحتها و لا كذلك الكافر.
و استدل القائلون بالإرث، و هم الحنيفة:
أولا: بقوله تعالى: (و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) [الأنفال: 75] وجه الدلالة:
أن صلة الرحم باقية بين المرتد و ورثته، فتكون سببا في بقاء الميراث بينهما.
ثانيا: بالآثار: فقد ورد عن كثير من الصحابة توريثهم الورثة المسلمين من المرتد، روى زيد بن ثابت قال: بعثني أبو بكر عند رجوعه إلى أهل الردة أن أقسم أموالهم بين ورثتهم المسلمين. و روي مثله عن ابن مسعود، وإليه ذهب أكثر التابعين، كسعيد بن المسيب، و الحسن. وروي عن علي بن أبي طالب أنه أتي بالمستورد العجلي و قد ارتد، فعرض عليه الإسلام، فأبى أن يسلم، فضرب عنقه، وجعل ميراثه لورثته المسلمين. وروى ابن حزم من طريق المنهال عن معاوية الضرير عن الأعمش عن أبي عمرو الشيباني عن علي بن أبي طالب " اجعلوا ميراثالمرتد لورثته من المسلمين ". فدلت هذه الآثار على أن ورثة المرتد المسلمين أحق بتركته دون غيرهم إذا كانوا يرثونه في الصدر الأول.