السيف الصقيل رد ابن زفيل - السبكي - الصفحة ١١٣
السابق

يسكت عما يجب اعتقاده في الله، وقوله سبحانه (ليس كمثله شئ) (الشورى: ١١) نص في نفي الجهة عنه تعالى إذ لو لم تنف عنه الجهة لكانت له أمثال لا تحصى، تعالى الله عن ذلك - ثم أنظر قوله في منهاجه (١ - ٢٦٤): فثبت أنه في الجهة على التقديرين ا ه‍) لتعلم كيف رماه الله بقلة الدين وقلة الحياء في آن واحد. وأما ما ينقله الذهبي وغيره من الحشوية من تفسير القرطبي في قوله تعالى: (ثم استوى على العرش) (الأعراف: ٥٤) من أنه قال: وقد كان السلف الأول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله فتساهل منه في العبارة، فإنه لم يرد لفظ الجهة في عبارة السلف ولا في كتاب الله، ولو أراد ورود هذا اللفظ لكذبه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والآثار المروية عن السلف لأن الوارد لفظ (وهو القاهر فوق عباده) (الأنعام: ١٨) و (ثم استوى على العرش) (الأعراف: ٥٤) ونحو ذلك بدون تعرض للتكييف بالجهة، وهكذا الوارد في السنة وآثار السلف ويعين قوله (كما نطق به كتابه) أن مراده الفوقية والعلو بلا كيف وذكر الجهة سبق قلم منه فلا يكون متمسك للحشوية فيما ذكره القرطبي في تفسيره كيف وهو القائل فيه:
(متى اختص بجهة يكون في مكان وحيز فيلزم الحركة والسكون ا ه‍) وهو القائل أيضا في (التذكار في أفضل الأذكار) ص ١٣: (يستحيل على الله أن يكون في السماء أو في الأرض إذ لو كان في شئ لكان محصورا أو محدودا ولو كان ذلك لكان محدثا وهذا مذهب أهل الحق والتحقيق ا ه‍).
تناقض ابن تيمية في الجهة وكذبه وفي (ص ٢٠٧) من الكتاب المذكور: (ثم متبعو المتشابه لا يخلو اتباعهم من أن يكون لاعتقاد ظواهر المتشابه كما فعلته المجسمة الذين جمعوا ما في الكتاب والسنة مما يوهم ظاهره الجسمية حتى اعتقدوا أن البارئ تعالى جسم مجسم وصورة مصورة ذات وجه وغير ذلك من يد وعين وجنب وأصبع، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، والصحيح القول بتكفيرهم إذ لا فرق بينهم وبين عباد الأصنام والصور، ويستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا كما يفعل بمن ارتد. ا ه‍). فبذلك تبين أن تمسك الحشوية بقول القرطبي السابق من قبيل الاستجارة من الرمضاء بالنار وبه يظهر مذهب المالكية فيمن يقول بذلك كما يظهر قول الشافعية فيه من كفاية الأخيار للتقي الحصني، حيث قال فيها بعد أن أشار إلى كلام الرافعي في كتاب الشهادات: (جزم النووي في صفة الصلاة من شرح المهذب بتكفير المجسمة.
قلت: وهو الصواب الذي لا محيد عنه ا ه‍).
ومن حذاق النظار من استدل على بطلان القول بالجهة بقوله تعالى:
(وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق) (المؤمنون: ٩١) باعتبار أن فيه استدلالا على بطلان التعدد ببطلان لازمه الذي هو انحياز الإله إلى جهة، راجع شعب الإيمان للحليمي. وفي الإكمال شرح مسلم للقاضي عياض (ثم من صار من دهماء الفقهاء والمحدثين وبعض متكلمي الأشعرية وكافة الكرامية إلى الجهة أول (في) ب‍ (على). ومن أحال ذلك - وهم الأكثر فلهم فيها تأويلات... وقد أجمع أهل السنة على تصويب القول بالوقف من التفكر في ذاته تعالى لحيرة العقل هنالك، وحومة التكييف. والوقف في ذلك غير شك في الوجود ولا جهل بالموجود فلا يقدح في التوحيد بل هو حقيقته. وقد تسامح بعضهم في إثبات جهة تخصه تعالى أو شار إليه بحيز يحاذيه، وهل بين التكييفين (أي التكييف المحرم إجماعا والتكييف بالجهة) فرق؟!. وبين التحديد في الذات والجهة فرق؟!. وقد أطلق الشرع أنه القاهر فوق عباده وأنه استوى على العرش فالتمسك بالآية الجامعة للتنزيه الكلي الذي لا يصح في العقل غيره وهي قوله تعالى (ليس كمثله شئ) (الشورى: ١١) (عصمة لمن وفقه الله تعالى) ا ه‍. وقد تعقبه الأبي تعقبا شديدا، وقال ما نسب من القول بالجهة إلى الدهماء ومن بعدهم من الفقهاء والمتكلمين لا يصح ولم يقع إلا لأبي عمر في الإستذكار (والتمهيد) ولابن أبي زيد في الرسالة وهو عنهما متأول. ثم نقل عن الفقهاء التونسيين كابن عبد السلام وابن هارون والفاسيين كالسطي وابن الصباغ اتفاقهم على إنكار ذلك في مجلس الأمير أبي الحسن ملك المغرب. راجع شرح مسلم (2 - 241) للأبي.
أقول: إنما ذكر القاضي عياض من صار من الدهماء إلى القول بالجهة وأين في ذلك نسبة ذلك إلى الدهماء على أن لفظ الجهة لم يقع في كلام أبي عمر ولا في كلام ابن أبي زيد وإن كان ظاهر كلامهما يوهم ذلك وقد تأول كلامهما المالكية ليكونا مع الجمهور في هذه المسألة الخطرة ولو ترك كلامهما على الظاهر لهويا في هاوية التجسيم وذلك عزيز عليهم أيضا، وقول القاضي عياض ليس يشمل المشارقة حيث لم يرحل إلى الشرق وإنما قوله بالنظر إلى معنى كلام بعض الفقهاء والمحدثين والمتكلمين من أهل بلاده من أصحاب الطلمنكي وابن أبي زيد وأبي عمر بل لا أذكر وقوع لفظ الجهة في كلام أحد منهم، وإنما جرى ابن رشد الفيلسوف في المناهج على التساهل بذكر ما لم يجر على لسانهم باعتباره معنى كلامهم كما سبق، والحاصل أن التكييف غير جائز إجماعا - ويمكن جمع جزء في الآثار الواردة في المنع من التكييف والتشبيه - ولا شك أن القول بالجهة تكييف لم يقع إلا في عبارات أناس هلكى، وأما تأويل القائلين بالجهة ما يوهم كونه في السماء بمعنى على السماء، كما ذكر القاضي عياض، فلا ينجيهم من ورطة التجسيم لأن (في) في قوله تعالى (ولأصلبنكم في جذوع النخل) (طه: 71) لم تزل تفيد تمكين المصلوب في الجذع كتمكين المظروف في الظرف، وكذلك قوله تعالى (قل سيروا في الأرض) (العنكبوت: 20) فحمل لفظ (في) على معنى (على) لا يجدي في الإبعاد عن التمكن وإنما التأويل الصحيح ما أشار إليه الباجي من استعمال العرب لفظ (هو في السماء) يعنون علو شأنه ورفعة منزلته بدون ملاحظة كونه في السماء أصلا كقول الشاعر:
علونا السماء مجدنا وجدودنا * وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرا وظاهر أنه لم يرد إلا علو الشأن. وليس قوله تعالى (أأمنتم من في السماء) (الملك: 16) من هذا القبيل بل الظاهر أن المراد خاسف سدوم وعد (في السماء) بمعنى على السماء ثم جعل على السماء بمعنى (على العرش) باعتبار أن السماء مأخوذة من السمو، غفلة عن شمولها للسقف والسحاب على هذا التقديد غير التبادر وتخصيصها بالعرش عن هوى مجرد كما لا يخفى. وفيما ذكرناه كفاية لأهل التبصر.
مخالفات ابن تيمية
(١١٣)
التالي
الاولى ١
٠ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 التعريف بموضوع الكتاب 9
2 مقدمة المعلق 9
3 انقشاع ظلمات الجاهلية بمبعثه صلى الله عليه وسلم 9
4 تحين الأعداء الفرص للكيد بالمسلمين 9
5 انخداع سذج الرواة 11
6 فضل علماء أصول الدين في حراسة الدين 11
7 محاولة ابن تيمية بعث الحشوية من مرقدها 12
8 مسايرة ابن القيم لابن تيمية في فتنته 13
9 نماذج من أقوال أصحاب ابن القيم وأضداده والمتحايدين 14
10 أخطر ما يطغى من صنوف الاستغناء 16
11 ردود السبكي على ابن تيمية والكلام في رده على نونية ابن القيم 17
12 مقدمة الكتاب للمؤلف 19
13 الأشعرية اعدل الفرق 21
14 مجامع الزيغ في نونية ابن القيم 26
15 تأسى السبكي بإمام الحرمين في الرد على بعض جهلة أهل الحديث 27
16 مناظرة خيالية بين المشبه والمنزه 29
17 فصل: أمثال مضروبة للمعطل والمشبه والموحد 32
18 فصل: في قصيدته النونية 32
19 فصل: تخيل الناظم في أفعال العباد 33
20 فصل: استنكار الناظم إعادة المعدوم 37
21 فصل: زعم الناظم قيام الله تعالى بالحوادث 38
22 فصل: عقد مجلس خيالي.. كلامه في وحدة الوجود 42
23 فصل: الفوقية الحسية 48
24 تسمية الناظم أهل الحق بحزب جنكيزخان 49
25 فتاوى في الرد على القائلين بالحرف والصوت 52
26 رد حديث الأوعال 54
27 الأصابع في كلام الجبر 57
28 الكلام على الساق والنزول والمجيء ووضع القدم 59
29 تصوير الناظم أهل الحق أسوأ تصوير 62
30 كذب الناظم على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم 63
31 فصل: قال: في قدوم ركب الإيمان وعسكر القرآن 65
32 عدم تمييز الناظم بين اللازم والملزوم 68
33 تخبط الناظم في الصوت 68
34 كلام واف في أحاديث الصوت 71
35 فصل: قوله: إنه يلزم من نفى صفة الكلام نفى الرسالة 73
36 فصل: وقيعة الناظم وشيخه في ابن حزم 75
37 الخلاف بين احمد والبخاري رضى الله عنهما في الفظ 77
38 فصل: في مقالة الفلاسفة والقرامطة 78
39 فصل: في الاتحادية 78
40 الرد على عثمان بن سعيد في إثباته الحركة 81
41 الرد على قول الناظم بالإيجاب 82
42 فصل: في تجويز التسلسل في الماضي 83
43 الرد على كلام الناظم في الزمان 84
44 فصل: في الرد على الجهمية 86
45 فصل: نصوص ابن تيمية في الفوقية الحسية 90
46 قول أبى حيان في ابن تيمية 92
47 صيغة استتابة ابن تيمية في الاستواء والصوت وخطوط كبار العلاء 92
48 فصل: كلمة ابن تيمية في العلو والفوقية والرد عليه 97
49 فصل: حديث النزول 99
50 فصل: الإشارة إلى رفع الأيدي إلى السماء 101
51 فصل: دعوى الناظم في الرؤية بدون مقابلة 102
52 فصل: بسط الكلام في السؤال ب‍ " أين " في حديث الجارية 103
53 توهين سند حديث أبى رزين 106
54 تفنيد زعم الإجماع على الفوقية الحسية 108
55 مخالفات ابن تيمية 110
56 رد المصنف على الناظم في الفوقية 115
57 روايات الضراب عن مالك في النزول 115
58 قول اليافعي في الحشوية 117
59 أحد المراسيم الصادرة في حق ابن تيمية 119
60 نص الإمام أحمد في المجئ 122
61 معنى كتب ربكم على نفسه بيده 124
62 سخف عثمان بن سعيد في التمسك بحديث حصين في الفوقية 126
63 الشعر المنسوب إلى ابن رواحة رضى الله عنه 128
64 حديث بنى قريظة 129
65 حدث جابر رضى الله عنه 130
66 فصل: ممتع في التأول 133
67 القول بالتجلي في الصور 136
68 تبديع الفلاسفة وإكفارهم 137
69 القول بتجرد الروح 139
70 نص من ابن تيمية في الحد والجسم 140
71 قول السلف في العين واليد 144
72 خداع الناظم وشيخه 144
73 معنى القبضة عند الخلف 145
74 المعطل في الأصل من ينفى الصانع 146
75 فصل: في عهود المثبتين مع الله رب العالمين 152
76 فصل: افتراؤهم المثلث على الأشعرية 152
77 فصل: في حياة الأنبياء 154
78 فتيا الأئمة في إنكاره شد الرحل لزيارته صلى الله عليه وسلم 154
79 فصل: في الهدنة بين المعطلة والاتحادية حزب جنكسخان 161
80 فصل: في مصارع المعطلة باسنة الموحدين 161
81 كلمة صاحب الدرة المضيئة في ابن تيمية 162
82 فصل: في كسر الطاغوت الذي نوا به الصفات 164
83 فصل: في مبدأ العداوة بين الموحدين والمعطلين 165
84 فصل: في أن التعطيل أساس الزندقة 165
85 فصل: في بهت أهل الشرك والتعطيل 166
86 عظم شأن الفخر الرازي في الرد على الحشوية 167
87 ناحت العجل 168
88 الكلام النفسي 169
89 قول ابن القيم في تلازم التعطيل والشرك 170
90 فصل: في مثل المشرك والمعطل 171
91 فصل: في أسبق الناس دخولا إلى الجنة 173
92 فصل: في عدد الجنات 174
93 فصل: في يوم المزيد 175
94 خاتمة السيف الصقيل 176
95 نص الرسالة بالحروف العادية 178
96 لماذا يقال للناظم ابن القيم 180
97 خاتمة تكملة الرد 180