شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٩ - الصفحة ٢٩٥
السابق
ظفر منها بحاجته، فاغتر وطغى ونسي المعاد، وشغل بها لبه حتى زلت عنها قدمه، فعظمت ندامته، وكثرت حسرته، واجتمعت عليه سكرات الموت بألمه، وحسرات الفوت بغصته، ومن راغب فيها لم يدرك منها ما طلب، ولم يرح نفسه من التعب، خرج منها بغير زاد، وقدم على غير مهاد، فاحذرها ثم احذرها، وكن أسر ما تكون فيها أحذر ما تكون لها، فإن صاحبها كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصته إلى مكروه، والسار منها لأهلها غار، والنافع منها في غد ضار، قد وصل الرخاء منها بالبلاء، وجعل البقاء فيها للفناء، فسرورها مشوب بالأحزان، ونعيمها مكدر بالأشجان، لا يرجع ما ولى منها وأدبر، ولا يدرى ما هو آت فينتظر، أمانيها كاذبة، وآمالها باطلة، وصفوها كدر، وعيشها نكد، والانسان فيها على خطر أن عقل ونظر، وهو من النعماء على غرر، ومن البلاء على حذر، فلو كان الخالق لها لم يخبر عنها خبرا، ولم يضرب لها مثلا، لكانت هي نفسها قد أيقظت النائم، ونبهت الغافل، فكيف وقد جاء من الله عنها زاجر، وبتصاريفها واعظ، فما لها عند الله قدر، ولا نظر إليها منذ خلقها، ولقد عرضت على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم بمفاتيحها وخزائنها لا ينقصه ذلك عند الله جناح بعوضة، فأبى أن يقبلها، كره أن يخالف على الله أمره، أو يحب ما أبغضه خالقه، أو يرفع ما وضعه مليكة، زواها الرب سبحانه عن الصالحين اختبارا، وبسطها لأعدائه اغترارا، فيظن المغرور بها، المقتدر عليها، إنه أكرم بها، وينسى ما صنع الله تعالى بمحمد صلى الله عليه وسلم من شده الحجر على بطنه، وقد جاءت الرواية عنه عن ربه سبحانه إنه قال لموسى: إذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته، وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين، وإن شئت اقتديت بصاحب الروح والكلمة عيسى، كان يقول: أدامي الجوع، وشعاري الخوف، ولباسي الصوف، وصلائي في الشتاء مشارق الشمس، وسراجي القمر، ووسادي الحجر، ودابتي رجلاي،
(٢٩٥)
التالي
الاولى ١
٤٢٩ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تابع ما ورد من حكمه عليه السلام ومختار أجوبة مسائله، وكلامه 5
2 فصل في الحياء وما قيل فيه 43
3 مثل من شجاعة علي عليه السلام 58
4 قصة غزوة الخندق 60
5 ما جرى بين يحيى بن عبد الله وعبد الله بن مصعب عند الرشيد 89
6 من كلامه عليه السلام لكميل بن زياد النخعي وشرح ذلك 97
7 نبذ من غريب كلام الإمام علي وشرحه لابن عبيد 114
8 نبذ من غريب كلام الإمام علي وشرحه لابن قتيبة 122
9 خطبة منسوبة للإمام علي خالية من حرف الألف 138
10 من كلامه عليه السلام في وصف صديق وشرح ذلك 181
11 نبذ من الأقوال الحكيمة في حمد القناعة وقلة الأكل 182
12 نبذ من الأقوال الحكيمة في الفقر والغنى 225
13 نبذ من الأقوال الحكيمة في الوعد والمطل 246
14 نبذ من الأقوال الحكيمة في وصف حال الدنيا وصروفها 285
15 أقوال مأثورة في الجود والبخل 314
16 نبذ مما قيل في حال الدنيا وهوانها واغترار الناس بها 324
17 مما ورد في الطيب من الآثار 339
18 نبذ مما قيل في التيه والفخر 350
19 طرائف حول الأسماء والكنى 363
20 أقوال في العين والسحر والعدوي والطيرة والفأل 370
21 نكت في مذاهب العرب وتخيلاتها 381