شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ٢٠٣
السابق
آخر نهار هذا اليوم، وعرضت له علة أقام فيها بقية شعبان وشهر رمضان، وأياما من شوال ممسكا عن حرب الزنج، إلى أن استبل من علته.
قال أبو جعفر: فلما أحرقت دار الناجم ودور أصحابه وشارف أن يؤخذ وعرضت لأبي أحمد هذه العلة، فأمسك فيها عن الحرب، انتقل الناجم من مدينته التي بناها بغربي نهر أبى الخصيب إلى شرقيه إلى منزل وعر لا يخلص إليه أحد لاشتباك القصب والأدغال والأحطاب فيه، وعليه خنادق من أنهار قاطعة معترضة فقطن هناك في خواصه، ومن تخلف معه من جلة أصحابه وثقاته، ومن بقي في نصرته من الزنج، وهم حدود عشرين ألف مقاتل، وانقطعت الميرة عنهم، وبان للناس ضعف أمرهم، فتأخر الجلب الذي كان يصل إليهم، فبلغ الرطل من خبز البر عندهم عشرة دراهم، فأكلوا الشعير، ثم أكلوا أصناف الحبوب، ثم لم يزل الامر كذلك إلى أن كانوا يتتبعون الناس، فإذا خلا أحد منهم بصبي أو امرأة أو رجل ذبحوه وأكلوه، ثم صار قوى الزنج يعدو على ضعيفهم، فإذا خلا به ذبحه وأكل لحمه، ثم ذبحوا أولادهم، فأكلوا لحومهم، وكان الناجم لا يعاقب أحدا ممن فعل شيئا من ذلك إلا بالحبس، وإذا تطاول حبسه أطلقه.
ولما أبل الموفق من علته، وعلم انتقال الناجم إلى شرقي نهر أبى الخصيب واعتصامه به، أعمل فكره في تخريب الجانب الشرقي عليه، كما فعل بالجانب الغربي، ليتمكن من قتله أو أسره، فكانت له آثار عظيمة من قطع الأدغال والدحال (1) وسد الأنهار، وطم الخنادق، وتوسيع المسالك وإحراق الأسوار المبنية، وإدخال الشذا وفيها المقاتلة إلى حريم الناجم، وفي كل ذلك يدافع الزنج عن أنفسهم بحرب شديدة، وقتال عظيم تذهب فيها النفوس، وتراق فيها الدماء، وكان الظفر في ذلك كله لأبي أحمد وأمر الزنج يزداد ضعفا

(1) الدحان: جمع دحل، وهو النقب الضيق الأعلى الواسع الأسفل، يمكن أن يمشى فيه.
(٢٠٣)
التالي
الاولى ١
٣٠٦ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 2
2 عود إلى أخبار صفين 8
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 102
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 108
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 111
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 112
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 118
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 124
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 125
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 217
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 243
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 245
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 251
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 262
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 267
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 271
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 275
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 295
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 297
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 300
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 302