شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١ - الصفحة ٥١
السابق
واستيحاش، وأمير المؤمنين عليه السلام كان أشجع الناس وأعظمهم إراقة للدم، وأزهد الناس وأبعدهم عن ملاذ الدنيا، وأكثرهم وعظا وتذكيرا بأيام الله ومثلاته، وأشدهم اجتهادا في العبادة، وآدابا لنفسه في المعاملة. وكان مع ذلك ألطف العالم أخلاقا، وأسفرهم وجها، وأكثرهم بشرا، وأوفاهم هشاشة، وأبعدهم عن انقباض موحش، أو خلق نافر، أو تجهم مباعد، أو غلظة وفظاظة تنفر معهما نفس، أو يتكدر معهما قلب. حتى عيب بالدعابة، ولما لم يجدوا فيه مغمزا ولا مطعنا تعلقوا بها، واعتمدوا في التنفير عنه عليها.
* وتلك شكاة ظاهر عنك عارها (1) * وهذا من عجائبه وغرائبه اللطيفة.
ومنها أن الغالب على شرفاء الناس ومن هو من أهل بيت السيادة والرياسة أن يكون ذا كبر وتيه وتعظم وتغطرس، خصوصا إذا أضيف إلى شرفه من جهة النسب شرفه من جهات أخرى، وكان أمير المؤمنين عليه السلام في مصاص الشرف ومعدنه ومعانيه، لا يشك عدو ولا صديق أنه أشرف خلق الله نسبا بعد ابن عمه صلوات الله عليه، وقد حصل له من الشرف غير شرف النسب جهات كثيرة متعددة، قد ذكرنا بعضها، ومع ذلك فكان أشد الناس تواضعا لصغير وكبير، وألينهم عريكة، وأسمحهم خلقا، وأبعدهم عن الكبر، وأعرفهم بحق، وكانت حاله هذه في كلا زمانيه: زمان خلافته،

(1) " الشكاة توضع موضع العيب والذم، وعير الرجل عبد الله بن الزبير بأمه، فقال ابن الزبير:
* وتلك شكاة ظاهر عنك عارها * أراد أن تعبيره إياه بأن أمه كانت ذات النطاقين ليس بعار. ومعنى قوله: " ظاهر عنك عارها "، أي ناب، أراد أن هذا ليس عارا يلزق به، وأنه يفخر بذلك، لأنها إنما سميت ذات النطاقين، لأنه كان لها نطاقان تحمل في أحدهما الزاد إلى أبيها وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار، وكانت تنتطق بالنطاق الآخر، وهي أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها ". اللسان: " 19: 171 "، وديوان الهذليين (1: 21)، وهذا العجز لأبي ذؤيب الهذلي، وصدره:
* وعيرها الواشون أني أحبها *
(٥١)
التالي
الاولى ١
٠ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة المؤلف 26
2 القول فيما يذهب إليه المعتزلة في الإمامة والتفضيل والبغاة والخوارج 30
3 القول في نسب أمير المؤمنين عليه السلام وذكر لمع يسيرة من فضائله 34
4 القول في نسب الرضي أبي الحسن رحمه الله وذكر طرف من خصائصه ومناقبه 54
5 القول في شرح خطبة نهج البلاغة 65
6 باب المختار من خطب أمير المؤمنين وما يجرى مجراها 1 - من خطبة له يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم 79
7 منها في صفة آدم عليه السلام 118
8 اختلاف الأقوال في خلق البشر 125
9 قول بعض الزنادقة في تصويب إبليس في الامتناع عن السجود لآدم 128
10 اختلاف الأقوال في خلق الجنة والنار 130
11 القول في آدم والملائكة أيهما أفضل 131
12 أديان العرب في الجاهلية 139
13 فضل الكعبة 146
14 فصل في الكلام على السجع 148
15 2 - من خطبة له عليه السلام بعد انصرافه من صفين 153
16 لزوم ما لا يلزم في الكلام وإيراد أمثلة منه 155
17 ما ورد في وصاية من الشعر 165
18 نسب أبي بكر ونبذة من أخبار أبيه 177
19 مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمرة أسامة بن زيد على الجيش 181
20 عهد أبي بكر بالخلافة إلى عمر بن الخطاب 185
21 طرف من أخبار عمر بن الخطاب 195
22 قصة الشورى 207
23 نتف من أخبار عثمان بن عفان 220
24 4 - من خطبة له عليه السلام في اهتداء الناس به وذكر كمال دينه ويقينه 229
25 5 - من كلام له عليه السلام لما قبض رسول الله صلى الله عليه 236
26 استطراد بذكر طائفة من الاستعارات 237
27 اختلاف الرأي في الخلافة بعد وفاة رسول الله 237
28 6 - من كلام له عليه السلام لما أشير عليه بألا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال طلحة والزبير ونسبهما 247
29 خروج طارق بن شهاب لاستقبال علي 248
30 7 - من خطبة له عليه السلام في ذم قوم باتباع الشيطان وركوبهم متن الزلل 250
31 8 - من كلام له عليه السالم يعني به الزبير في حال اقتضت ذلك أمر طلحة والزبير مع علي بعد بيعتهما له 252
32 9 - من كلام له عليه السلام في صفة أرعدوا وأبرقوا وفشلهما لذلك 259
33 10 - من خطبة له عليه السلام يوعد قوما 261
34 11 - من كلامه له عليه السلام لابنه محمد بن الحنفية لما أعطاه الراية يوم الجمل 263
35 مقتل حمزة بن عبد المطلب 265
36 محمد بن الحنفية ونسبه وبعض أخباره 265
37 12 - من كلام له عليه السلام لما أظفره الله بأصحاب الجمل 268
38 من أخبار يوم الجمل 268
39 13 - من كلام له عليه السلام في ذم أهل البصرة 273
40 من أخبار يوم الجمل أيضا 275
41 14 - من كلام له عليه السلام في ذم أهل البصرة أيضا 289
42 15 - من كلام له عليه السلام فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان رضى الله عنه 291
43 16 - من خطبة له عليه السلام لما بويع بالمدينة 294
44 من كلام للحجاج وزيادة نسجا فيه على منوال كلام علي 300
45 17 - من كلام له عليه السلام في صفة من يتصدى للحكم بين الأمة وليس لذلك بأهل 305
46 18 - من كلام له عليه السلام في ذم اختلاف العلماء في الفتيا 310
47 19 - من كلام له عليه السلام قاله للأشعث وهو على منبر الكوفة 313
48 الأشعث بن قيس ونسبه وبعض أخباره 314
49 20 - من خطبة له عليه السلام في تهويل ما بعد الموت وتعظيمه وفيها حث على الاعتبار 320
50 21 - من خطبة له عليه السلام في تذكير المسلمين بالساعة واليوم الآخر 323
51 22 - من خطبة له عليه السلام فيمن اتهمه في دم عثمان 325
52 خطبة علي بمكة في أول إمارته 329
53 خطبته عند مسيره إلى البصرة 330
54 خطبته أيضا بذي قار 331
55 23 - من خطبة له عليه السلام في المال وقسمة الأرزاق بين الناس وفيها الحث على صلة الرحم ورعايته ذوي القربى 334
56 فصل في ذم الحاسد والحسد وما قيل في ذلك من الكلام 337
57 فصل في مدح الصبر وانتظار الفرج وما قيل في ذلك من الكلام 341
58 فصل في الرياء والنهى عنه 347
59 فصل في الاعتضاد بالعشيرة والتكثر بالقبيلة 348
60 فصل في حسن الثناء وطيب الأحدوثة 350
61 فصل في مواساة الأهل وصلة الرحم 351
62 24 - من خطبة له عليه السلام فيمن خالف الحق وخابط الغي 353
63 25 - من خطبة له عليه السلام وقد تواترت عليه الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على البلاد 354
64 نسب معاوية وبعض أخباره 356
65 بسر بن أرطاة ونسبه 362
66 عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب 363
67 أهل العراق وخطب الحجاج فيهم 365