بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٨٦ - الصفحة ٩٨
السابق
فمطلقا وجوبا لظاهر الامر، ولتعليق نفي الجناح فيما سيأتي بشرط الأذى فتثبت مع عدمه، وهو المشهور بين الأصحاب، وقال ابن الجنيد يستحب وتردد في المعتبر والنافع وحمله ابن الجنيد على الارشاد، وفيه عدول عن الظاهر، بناء على كون الامر للوجوب من غير دليل.
وهو يختص الوجوب بالمصلين؟ فيه قولان، وروى ابن عباس أن المأمور بأخذ السلاح هم المقاتلة، وهو خلاف الظاهر، بل الظاهر إما التعميم أو التخصيص بالمصلين كما قلنا أولا، بناء على أن أخذ السلاح للفرقة الأولى أمر معلوم لا يحتاج إلى البيان.
وعلى القول بوجوب أخذ السلاح على المصلين لا تبطل الصلاة بتركه على المشهور لكون النهي متعلقا بأمر خارج عن حقيقة الصلاة، والنجاسة الكائنة على السلاح غير مانع من أخذه على المشهور وقيل لا يجوز أخذه حينئذ إلا مع الضرورة ولعل الأول أقرب، عملا باطلاق النص مع كون النجاسة فيه غير نادر وثبوت العفو عن نجاسة ما لا يتم الصلاة فيه منفردا، وانتفاء الدليل على طهارة المحمول ولو تعدت نجاسته إلى الثوب وجب تطهيره إلا مع الضرورة.
(فإذا سجدوا) (1) أي الطائفة الأولى المصلية (فليكونوا من ورائكم) (2)

(1) المراد بهذه السجدة السجدة الثانية من الركعة الثانية عند تمام الصلاة، وذلك لأنه عز وجل قال (فإذا سجدوا) وأسند فعل السجدة إليهم دون أن يقول: (فإذا سجدت بهم).
فمبنى الآية على أن النبي صلى الله عليه وآله يصلى بفرقة منهم ركعة بركوعها وسجودها: سجدتين ويقعد ذاكرا لله عز وجل وتقوم الفرقة المصلية لاتمام صلاتهم (لعدم الخوف بهم من العدو موقتا بعد تلك الحيلة) ويصلون ركعة واحدة منفردين، فإذا سجدوا، أي أتموا الصلاة بالسجدة الثانية فكنى عن تمام الصلاة بالسجدة، لأنها آخر أجزاء الصلاة بالفرض على ما عرفت مرارا.
(2) تنص هذه الجملة على أن الطائفة الراصدة إنما تقوم خلف المصلين أبدا كانت القبلة في جهة العدو، أو خلاف جهتهم، ويستفاد من ذلك أن أمام المصلى يجب أن يكون فارغا لا يمر بين يديه أحد من المارة ولا يقوم بإزائه أحد، كما مر في ج 83 ص 294.
وما يقال إن هذا الصلاة بالكيفية المعهودة إنما تقام أما إذا كانت القبلة في خلاف جهة العدو، حتى يكون الطائفة الراصدة خلف المصلين تواجه الأعداء، واستأنسوا على ذلك أو استدلوا عليه بقوله عز وجل هذا (فليكونوا من ورائكم)، ثم حملوا الآية الكريمة على صلاة ذات الرقاع حيث كانت العدو في خلاف جهة القبلة لذلك، فليس بشئ.
وذلك لان ظاهر الآية الكريمة أنها نزلت قبل هذه الوقايع تبين لهم وظيفتهم في السفر وعند موارد الخوف وامكان رفع الخطر موقتا بالتعبية كذلك، ولذلك عمم وقال:
(وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) الآية.
فحيثما ابتلى المسلمون بالسفر ومخافة العدو: أن يهجموا عليهم، وكان النبي صلى الله عليه وآله أو من يقوم مقامه في جمع شمل المسلمين فيهم وبامكانه أن يفرق المسلمين فرقتين: فرقة تصلى وفرقة ترصدهم وجب إقامة الصلاة كذلك، ولا يشترط في اقامتها غير هذه الشروط المذكورة.
على أنك قد عرفت في صدر الباب السابق عند البحث عن الآية الكريمة ان صلاة السفر في مقابلة العدو والخوف من فتنتهم إنما تقام على هذه الكيفية ليرتفع بهذه التعبية والرصد خوف فتنتهم بالفعل وموقتا، وهذا إنما يكون أما إذا صادفوا العدو، وقاموا في وجههم لا يدرون مآل الامر أنهم يحاربون أولا، كما كان الامر في صلوات الرسول صلى الله عليه وآله غزوة ذات الرقاع وعسفان وبطن نخل.
وأما أما إذا نشبت الحرب بينهم أو عزم الامر على ذلك بمواجهة القتال فصار خوف الهجوم منهم بالفعل كانت الصلاة صلاة مطاردة بالتكبيرة والتسبيح والتهليل كما وقع في بعض أيام غزوة الخندق، وامتثالا لقوله تعالى: (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) فالقيام في وجه العدو إنما يجب في هذه الصلاة لا غيرها.
ويؤيد ذلك أن الأئمة الأطهار عليهم صلوات الله الرحمن إنما تعرضوا لصلاة الخوف بوجه واحد طبقا لحكم الآية الكريمة، ولا يكون ذلك الا لعموم حكم الآية لجميع موارد الخوف واطلاقها بالنسبة إلى موقف الأعداء وكونهم في جهة القبلة أو خلافها.
بل وعندي أن النبي صلى الله عليه وآله إنما صلى بهذه الكيفية فقط، وسائر ما ورد من طرق الجمهور، وقد ناهض إلى ستة عشر وجها، فكلها آراء الصحابة والتابعين توهموها على الآية الكريمة فاختار كل ما وجدها أنسب بظاهر الآية، وسيأتي تمام الكلام فيها عند تعرض المؤلف العلامة لبعضها انشاء الله تعالى.
(٩٨)
التالي
الاولى ١
٠ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب 1
2 * أبواب القصر وأسبابه واحكامه * * الباب الأول * وجوب قصر الصلاة في السفر وعلله وشرائطه وأحكامه وفيه: آية، و: أحاديث 3
3 تفسير قوله تبارك وتعالى: " وإذا ضربتم في الأرض " وفي الذيل ما يناسب 4
4 في قصر الصلاة والجمع بين الصلاتين 8
5 في المسافة التي شرط في القصر، والبحث حولها مفصلا 12
6 في صلاة المسافر الذي سفره أكثر من حضره، وفي الذيل ما يتعلق 21
7 فيمن نوى الإقامة في بلد عشرة أيام، وفي الذيل ما يناسب 40
8 فيمن فات صلاته في السفر، وفيها بيان 47
9 العلة التي من أجلها كانت الصلاة المغرب في السفر والحضر ثلاث ركعات،... 58
10 * الباب الثاني * مواضع التخيير 76
11 الآيات المتعلقة بالباب في ذيل الصفحة وما يناسب ذلك 76
12 الأقوال في حكم الصلاة في المواطن الأربعة 84
13 في النجف 89
14 حرم الحسين عليه السلام وحد الحائر، وما قاله العلامة المجلسي رحمه الله 91
15 * الباب الثالث * صلاة الخوف وأقسامها وأحكامها، وفيه: 4 - آيات، و: أحاديث 97
16 في وجوب التقصير في صلاة الخوف 98
17 في شروط صلاة الخوف 107
18 في أن صلاة الخوف على ثلاثة وجوه 111
19 قصة رسول الله (ص) والحديبية، وخالد بن الوليد، ونزول قوله تعالى... 112
20 في كيفية صلاة الخوف 117
21 * أبواب * * فضل يوم الجمعة وفضل ليلتها وصلواتهما وآدابهما * * وأعمال سائر أيام الأسبوع * * الباب الأول * وجوب صلاة الجمعة وفضلها وشرائطها وآدابها وأحكامها وفيه: آيات وأحاديث 124
22 تفسير الآيات، وفي الذيل ما يناسب ويتعلق بالمقام 125
23 بحث حول صلاة الجمعة وسورة الجمعة 135
24 فيما يستنبط من آيات السورة الجمعة، ومعنى الامام 141
25 أقوال الفقهاء في الصلاة الجمعة وشرائطها 143
26 في قول الباقر (ع): إنما فرض الله عز وجل من الجمعة إلى الجمعة خمسا... 155
27 في أن الناس في الجمعة على خمسة أقسام 169
28 في أول وقت الجمعة وآخر وقتها 173
29 دعاء القنوت في الوتر ويوم الجمعة 192
30 العلة التي من أجلها صارت صلاة الجمعة ركعتين وجعلت الخطبة يوم الجمعة... 203
31 توضيح مرام ودفع أوهام وشرح للحديث من العلامة المجلسي (ره) 205
32 في أعمال الجمعة 214
33 الاستدلال بوجوب التخييري 219
34 بحث وتحقيق في وجوب صلاة الجمعة وعدم وجوبها 223
35 بحث في الاجماع وتحققه 224
36 فيما قاله السيد ابن الطاوس رحمه الله في صلاة الجمعة وأدلتها 229
37 في أن صلاة الظهر يوم الجمعة هي صلاة الجمعة 232
38 أول جمعة خطب فيها رسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة، ومتن الخطبة 234
39 الخطبة التي خطبها أمير المؤمنين عليه السلام لصلاة الجمعة، وشرح لغاتها 236
40 خطبة أخرى التي خطبها علي عليه السلام يوم الجمعة، وشرح لغاتها... 238
41 في القدر المعتبر في كل من الخطبتين 260
42 * الباب الثاني * فضل يوم الجمعة وليلتها وساعاتها، وفيه: آية، و: 33 - حديثا 265
43 معنى قوله تعالى: " وشاهد ومشهود " وفيه معان ووجوه وتأويل 265
44 الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة 275
45 في أن الأعياد أربعة 278
46 * الباب الثالث * اعمال ليلة الجمعة وصلاتها وأدعيتها، وفيه: 39 - حديثا 289
47 في من كان له حاجة، والدعاء قبل الافطار 289
48 فيمن أراد حفظ القرآن 290
49 الدعاء في ليلة الجمعة وعرفة ويومهما (اللهم من تعبأ) 296
50 دعاء آخر في ليلة الجمعة، وفيه بيان 298
51 الدعاء في الوتر وبعده في ليلة الجمعة 300
52 فيما يقرء من القرآن في ليلة الجمعة 312
53 الصلاة في ليلة الجمعة 321
54 * الباب الرابع * أعمال يوم الجمعة وآدابه ووظائفه، وفيه: 68 - حديثا 331
55 في الغسل وقص الأظفار، وزيارة النبي (ص) والأئمة عليهم السلام 331
56 في تقليم الأظفار 346
57 فيمن اغتسل يوم الجمعة 358
58 السنن في يوم الجمعة، وهي سبعة 362
59 فيمن أراد أن يدرك فضل يوم الجمعة 368
60 الصلاة المعروفة بالكاملة والدعاء بعدها 373