بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٧ - الصفحة ١٧٠
السابق
السماوات والأرض " قالتا أتينا طائعين ". " إنه كان حليما " في الأزل، إذ أخرج من العدم من يكفر به ويجحده " غفورا " لمن تاب عن كفره.
" قلنا يا نار كوني بردا " قال الطبرسي. هذا مثل، فإن النار جماد لا يصح خطابه، والمراد أنا جعلنا النار بردا عليه وسلامة لا يصيبه من أذاها شئ، كما قال سبحانه " كونوا قردة خاسئين (1) " والمعنى أنه صيرهم كذلك لا أنه خاطبهم وأمرهم بذلك. وقيل: يجوز أن يتكلم الله سبحانه بذلك ويكون ذلك صلاحا للملائكة ولطفا لهم. وذكر في كون النار بردا وسلاما على إبراهيم وجوها: أحدها أن الله سبحانه أحدث فيها بردا بدلا من شدة الحرارة فيها فلم تؤذه. وثانيها أنه سبحانه حال بينها وبين إبراهيم فلم تصل إليه. وثالثها أن الاحراق يحصل بالاعتمادات التي في النار صعدا فيجوز أن يذهب سبحانه تلك الاعتمادات. وعلى الجملة فعلمنا أن الله سبحانه منع النار من إحراقه وهو أعلم بتفاصيله (2) - انتهى -.
وقال البيضاوي: انقلاب النار هواء طيبة ليس ببدع، غير أنه هكذا على خلاف المعتاد فهو إذن من معجزاته. وقيل: كانت النار بحالها لكنه تعالى دفع عنه أذاها كما في السمندر، ويشعر به قوله " على إبراهيم " (3) - انتهى -.
وأقول: على مذهب الأشاعرة لا إشكال في ذلك، لأنهم يقولون: لا مؤثر في الوجود إلا الله، وإنما أجرى عادته بالاحراق عند قرب شئ من النار، فإذا أراد غير ذلك لا يخلق الاحراق. وأما عند غيرهم من القائلين بتأثير الطبائع ولزوم الصفات لها فيشكل ذلك عندهم، والأولى أن يقال: إحراق النار وتبريد الثلج وقتل السموم وغير ذلك من التأثيرات لما كانت مشروطة بشروط كقابلية المادة وغيرها فلم لا يجوز أن تكون مشروطة بعدم تعلق إرادة القادر المختار بخلافه (4) فإذا تعلقت

(١) البقرة: ٦٥، والأعراف: 165.
(2) مجمع البيان: ج 7، ص 54.
(3) أنوار التنزيل: ج 2، ص 86.
(4) هذا تنزيل لمقام إرادته القاهرة التي بها تسببت الأسباب وانسجم نظام الكون. و يستلزم جعلها في عداد الشرائط المادية، ويترتب عليه لوازم نغمض عن ذكرها. والحق أن جميع الآيات والمعجزات خرق للنظام المتعارف الذي نتعاهده معاشر الناس في حياتنا ونعرف فيه أسبابا وشرائط وجودية. وعدمية ومعدات لكن ليس خرقا للنظام العلى والمعلولي رأسا، فجعل النار بردا مثلا ليس إبطالا للنظام السببي، لمسببي الحاكم على العالم بحذافيره، بل إعمال لأسباب وشرائط لا نتعداها ويكفى له إيجاد مانع من تأثير النار في جسمه عليه السلام أو حول بدنه أو تسخير النار لايجاد البرودة كما تسخر قوة الكهرباء اليوم له، كل ذلك لامن طريق متعارف عند الناس بل بسبب إلهي وطريق غيبي ومجرى نفسي غير مشهود للعامة، والله على كل شئ قدير.
فان قيل: مرجع الأخير إلى أن الله تعالى أراد أن تتبرد النار فبردت، وهذه إبطال لسببية النار للاحراق - لعدم امكان سببية شئ واحد لضدين ومتقابلين - أو التزام بحصول معلول مادي من غير حصول علته المسانخة له قلنا: الاحتراق عبارة عن تبدل الصورة تبدلا خاصا والنار معدة له لا مفيضة للصورة الحادثة، ولا يمتنع تأثيرها في ضده كما يشاهد في الكهرباء أضف إلى ذلك حديث تعدد الجهات. وأما استناد الحوادث إلى إرادة الله تعالى من غير واسطة فمخالف للسنة الإلهية التي لن تجد لها تبديلا ولن تجد لها تحويلا، ومستلزم للطفرة واختلال نظام العلل والمعاليل. والحاصل أن إرادة الله تعالى فوق العلل المادية وفى طولها لا في رتبتها وهو القاهر فوق عباده.
(١٧٠)
التالي
الاولى ١
٠ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب 1
2 * الباب التاسع والعشرون * الرياح وأسبابها وأنواعهابسم الله الرحمن الرحيم 3
3 تفسير الآيات، ومعنى قوله تعالى: " هو الذي أرسل الرياح بشرا " 4
4 في هبوب الرياح ومكانها 10
5 فيما قاله النبي صلى الله عليه وآله لما هبت الريح 21
6 فيما قاله الفلاسفة في سبب حدوث الرياح 23
7 * الباب الثلاثون * الماء وأنواعه والبحار وغرائبها وما ينعقد فيها، وعلة المد والجزر... 25
8 تفسير الآيات 26
9 علة الجزر والمد، وفيها بيان وشرح 31
10 في قوله النبي صلى الله عليه وآله: أربعة أنهار من الجنة، وفيه بيان 37
11 فيما قالته الحكماء في سبب انفجار العيون من الأرض 52
12 * الباب الحادي والثلاثون * الأرض وكيفيتها وما أعد الله للناس فيها وجوامع أحوال العناصر وما تحت الأرضين 53
13 في الأرض وما فيها 58
14 في السماء، وان السماء أفضل أم الأرض 60
15 قصة زينب العطارة، وسؤالها عن التوحيد، وما قاله النبي (ص) في التوحيد... 85
16 فيما قاله أمير المؤمنين (ع) في السكون وحركة الأرض، وفيه بحث وبيان في كرويته 97
17 فيما قاله الشيخ المفيد والسيد المرتضى رحمهما الله 101
18 * الباب الثاني والثلاثون * في قسمة الأرض إلى الأقاليم وذكر جبل قاف وسائر الجبال و كيفية خلقها... 102
19 بحث حول الأرض وكرويتها 104
20 قصة ذي القرنين 109
21 حديث البساط 126
22 علة الزلزلة 129
23 أقاليم السبعة ومساحتها، وأسماء بلادها 132
24 في خط الاستواء والآفاق المائلة 143
25 في الأشياء المتحجر 149
26 في علة حدوث الزلزلة والرجفة 150
27 * الباب الثالث والثلاثون * تحريم أكل الطين وما يحل أكله منه 152
28 علة تحريم أكل الطين 152
29 في طين قبر مولانا الإمام الحسين عليه السلام، وطين الأرمني 156
30 في جواز إدخال التربة في الأدوية 159
31 شرائط أخذ التربة، وما يؤكل له، ومقدار المجوز للاكل 162
32 الطين الأرمني والاستشفاء به واستعماله في الأدوية 164
33 * الباب الرابع والثلاثون * المعادن، وأحوال الجمادات والطبايع وتأثيراتها وانقلابات الجواهر، وبعض النوادر 166
34 بيان في تسبيح الجبال والطير، وتخصيص داود (ع) بذلك في سجود الأشياء 173
35 في تولد المعادن، والمركبات التي لها مزاج 182
36 بيان وشرح وتفصيل في تأثير الله سبحانه في الممكنات، وفي الذيل ما يناسب 189
37 فائدة شعر الرأس واللحية 193
38 في أن خلفاء الجور المعاندين لائمة الدين (ع) كانوا سببا لتشهير كتب الفلاسفة 199
39 * الباب الخامس والثلاثون * نادر 200
40 فيما سئل رسول معاوية أسئلة ملك الروم الحسن بن علي (ع) (عشرة أشياء... 201
41 * الباب السادس والثلاثون * الممدوح من البلدان والمذموم منها وغرائبها 203
42 في البقعة المباركة 204
43 في ذم البصرة، ومدح المدينة وبيت المقدس والكوفة ومكة، وأكرم واد على وجه الأرض 206
44 في قول الباقر عليه السلام: ستة عشر صنفا من أمة جدي لا يحبونا 208
45 في مدح الكوفة 211
46 في مدح الشام وذم أهلها 212
47 في مدح قم وذم الري 214
48 في قول الصادق عليه السلام: يظهر العلم ببلدة يقال لها: قم... 215
49 في قول الكاظم عليه السلام: رجل من أهل قم يدعو الناس إلى الحق... 218
50 قصة فاطمة المعصومة عليها السلام وخروجها من المدينة... 221
51 في مدح اليمن وأهلها 234
52 قصة حمادويه بن أحمد بن طولون وأهرام المصر، والنيل والهرمين 237
53 الأهرام، وانه بناها إدريس النبي عليه السلام 242
54 * الباب السابع والثلاثون * نادر، في كتاب كتبه علي (ع) بما املاه جبرئيل على النبي (ص) 243
55 في كتاب كتبه علي (ع) بما أملاه جبرئيل على النبي (ص) إلى يهود خيبر... 243
56 * (أبواب) * * الانسان والروح والبدن وأجزائه وقوامهما وأحوالهما * * الباب الثامن والثلاثون * أنه لم سمى الانسان انسانا والمرأة مرأة والنساء نساء والحواء حواء 266
57 العلة التي من أجلها سمي الانسان إنسانا وسميت المرأة مرأة وحواء حواء 266
58 بحث وتحقيق وتفصيل وبيان في أن أول البشر هو آدم عليه السلام 268
59 * الباب التاسع والثلاثون * فضل الانسان وتفضيله على الملك وبعض جوامع أحواله 270
60 تحقيق الكلام في أن البدن الانساني أشرف أجسام هذا العالم 273
61 في تفضيل الانسان على الملائكة 277
62 معنى قوله تبارك وتعالى: " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض... 280
63 معنى قوله تبارك وتعالى: " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض... 302
64 فيما قاله السيد المرتضى (ره) في معنى قوله تبارك وتعالى: " خلق الانسان من عجل " 307
65 * الباب الأربعون * ما ذكره محمد بن بحر الشيباني الرهنى في كتابه من قول: مفضلى الأنبياء... 310
66 * الباب الحادي والأربعون * بدء خلق الانسان في الرحم إلى آخر أحواله 319
67 تفسير الآيات، ومعنى قوله تعالى: " خلقكم من طين " 322
68 معنى قوله تبارك وتعالى: " الذي أحسن كل شيء خلقه " 325
69 معنى قوله تبارك وتعالى: " خلق من ماء دافق "... 332
70 في غاية الحمل بالولد في بطن أمه 336
71 علة شبه الولد بأعمامه وأخواله 340
72 في دية الجنين والعلقة والنطفة 356
73 العلة التي من أجلها يولد الانسان هيهنا ويموت في موضع آخر 360
74 فيما سئله الخضر عليه السلام عن علي عليه السلام 361
75 فيما قاله الإمام الصادق عليه السلام للمفضل في خلق الانسان 379
76 العلة التي من أجلها يضحك الطفل ويبكي، وان بكاء الطفل شهادة بالتوحيد... 383
77 في مبدء عقد الصورة في مني الذكر ومبدء انعقادها في مني الأنثى 389
78 فيما فعله الصقالبة بأولادهم 391