محاسبة النفس - الشيخ إبراهيم الكفعمي - الصفحة ١٤
السابق
مخلفيه؟ أكففت عن غيبة أخ مؤمن؟ أ أعنت مسلما؟ ما الذي صنعت فيه؟
فيذكر ما كان منه، فإن ذكر أنه جرى منه خير حمد الله وكبره على توفيقه، وإن ذكر معصية أو تقصيرا استغفر الله وعزم على ترك معاودته (1).
فلا بد للعاقل أن يقسم وقته: فوقت يناجي فيه ربه، وآخر يتفكر فيه في صنع الله، ووقت يخلو فيه بحظ نفسه من الحلال، وآخر يحاسب نفسه فيه.
فيعين وقتا خاصا يتكلم فيه مع نفسه ويخاطبها وينبهها ويحثها ويؤنبها و يوبخها كما ورد في الحديث السابق.
وهذه الطريقة من أحسن طرق محاسبة النفس، ولها الأثر البالغ السريع.
وأول من اقتفى هذه الطريقة - حسب تفحصي - هو شيخنا الأمير الزاهد ورام بن أبي فراس الأشتري، حيث ذكر في مجموعته:
فإذا أصبح العبد وفرغ من فريضة الصبح ينبغي أن يفرغ قلبه ساعة لمشارطة النفس - كما أن التاجر عند تسليم البضاعة إلى شريك يفرغ المجلس لمشارطته - فيقول للنفس:
ما لي بضاعة إلا العمر، ومهما فني رأس المال حصلت الخسارة، ووقع اليأس من التجارة، وهذا اليوم الجديد قد أمهلني الله تعالى فيه، وأنسأني أجلي وأنعم علي به، ولو توفاني لكنت أتمنى أن يرجعني إلى الدنيا يوما واحدا، حتى أعمل فيه صالحا، فاحسبي أنك توفيت، ثم رددت، فإياك ثم إياك أن تضيعي هذا اليوم، فإن كل نفس من الأنفاس جوهرة لا قيمة لها... (2).
وقال شيخنا النوري الطبرسي في كتابه دار السلام بعد ذكر حديث الصير في (3):

(١) وسائل الشيعة ١١: ٣٧٩ حديث 8 نقلا عن التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام.
(2) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 1: 233.
(3) روي عن سدير الصير في أنه قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله الصادق عليه السلام، فرأيناه جالسا على التراب، وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب مقصر الكمين، وهو يبكي بكاء الوالهة الثكلى ذات الكبد الحرى، قد نال الحزن من وجنتيه وشاع التغيير في عارضيه وأبلى الدموع محجريه، وهو يقول:
سيدي، غيبتك نفت رقادي، وضيقت علي مهادي، وابتزت مني راحة فؤادي.
سيدي، غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد، فما أحس بدمعة ترقى من عيني. وأنين يفتر من صدري، عن دوارج الرزايا، وسوالف البلايا، إلا ما مثل بعيني من غوابر أعظمها وأفظعها، وبواقي أشدها وأنكرها، ونوائب مخلوطة بغضبك، ونوازل معجونة بسخطك.
قال سدير: فاستطارت عقولنا ولها، وتصدعت قلوبنا جزعا، من ذلك الخطب الهائل، والحادث الغائل، وظننا أنه سمت لمكروهة قازعة، أو حلت به من الدهر بائقة، فقلنا: لا أبكى الله يا ابن الورى عينيك، من أية حادثة تستنزف دمعتك وتستمطر عبرتك؟ وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم؟
قال: فزفر الصادق عليه السلام زفرة انتفخ منها جوفه، واشتد عنها خوفه، وقال:
ويلكم نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم.
وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا، وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، الذي خص الله به محمدا والأئمة من بعده عليهم السلام.
وتأملت فيه مولد قائمنا، وغيبته، وإبطاءه، وطول عمره، وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان، وتولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته، وارتداد أكثرهم عن دينهم وخلعهم ربقة الاسلام عن أعناقهم التي قال الله: (وكل انسان ألزمناه طائرة في عنقه) - يعني الولاية - فأخذتني الرقة، واستولت علي الأحزان....
كمال الدين: 352 - 354.
(١٤)
التالي
الاولى ١
١٩٩ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الإهداء 1
2 مقدمة المؤلف 4
3 ترجمة المؤلف 15
4 اسمه ونسبه 15
5 مشايخه 15
6 أقوال العلماء في حقه 16
7 مولده ووفاته 18
8 آثاره 21
9 حول الكتاب 26
10 اسم الكتاب 26
11 عملنا في الكتاب 27
12 مقدمة المؤلف 30
13 الحث على المحاسبة 31
14 النهي عن تضييع العمر 32
15 النهي عن المعصية 34
16 النهي عن الفرح بالنعيم الزائل 36
17 التصديق بيوم القيامة 39
18 المبادرة إلى صالح الأعمال 42
19 مغالبة الشهوة 42
20 الحث على التفرد 45
21 النهي عن الركون إلى الدنيا 46
22 الاستعداد ليوم القيامة 52
23 النهي عن طول الأمل 53
24 الاعتبار بمصارع الأموات 53
25 النهي عن الركون إلى المال 54
26 الحث على تقوى الله 55
27 بعض مساوئ الدنيا 56
28 موعظة أمير المؤمنين (ع) 60
29 النهي عن حب الرئاسة 63
30 الزهد في الدنيا 64
31 النهي عن طلب الجمع بين الدنيا والآخرة 65
32 الحث على لزوم مكارم الأخلاق 66
33 كيفية تقوى الله 69
34 نتائج مكارم الأخلاق ومساوئها 71
35 النهي عن مصاحبة الأشرار 76
36 نتائج الأعمال الحسنة والسيئة 79
37 النهي عن صحبة الدنيا بحال 85
38 النهي عن الفخر بالحسب 87
39 وصف عبد صالح 88
40 بيان مرض القلوب 91
41 تحذير وعبر لترك الدنيا 96
42 توبيخ النفس لارتكابها الأعمال السيئة 99
43 الاستعداد للآخرة 103
44 النهي عن الرياء 106
45 العمل الصالح يمهد في الجنة لصاحبه 107
46 وصف الجنان 110
47 فضل الفقير على الغني يوم القيامة 112
48 النهي عن جمود العين 114
49 وصف جهنم 115
50 تحذير النفس بالآيات القرآنية 116
51 التفكر في الموت وما بعده 121
52 وصف الجنة 124
53 وصف الأموات بعد الدفن 128
54 الاستيقاظ من الغفلة 129
55 الحث على المحاسبة 130
56 الاعتبار بالجنازة والقبر 133
57 نداء القبر 135
58 الحث على طلاق الدنيا 146
59 ما أوحاه الله إلى الدنيا 147
60 توطين النفس على ألم العبادة 148
61 مجاهدة النفس على أربع اقسام 150
62 النهي عن العجب 155
63 الحث على الذكر والحمد والشكر 157
64 الحث على الاستغفار 157
65 النهي عن الغيبة 159
66 وجوب اقتران العلم بالعمل 160
67 الحذر من اللسان 165
68 الحث على لزوم العزلة 166
69 الحث على الدعاء 180
70 الحث على الاستغاثة والصراخ 181
71 مناجاة أمير المؤمنين (ع) 181
72 المراحل التي تبعد عن الهوى 183
73 مناجاة للمؤلف تختم الكتاب 184