شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٥ - الصفحة ٢٨
السابق
إرادته ليست إرادة حتمية جبرية بل هي إرادة تخييرية تكليفية.
ففيه أيضا رد على الجبرية إلا أنهم لما قالوا إن إرادته حتمية، قالوا: مراد الله تعالى في هذه الصور هو أضداد الامور المذكورة وهي الأكل وترك السجود والكفر والمعاصي، ولا يخفى قبح هذا القول وشناعته، وإنما قلنا الظاهر ذلك لاحتمال أن يكون ضميره راجعا إلى الإرادة المفهومة من يريد، والمعنى - والله أعلم - أن الله أعز من أن يريد أمرا فلا يكون إرادة ذلك الأمر ويكون إرادة خلافه.
وفيه حينئذ رد على من قال من المفوضة إنه تعالى فوض قبول أمره إلى العباد، بمعنى أنهم إن قبلوا أمره فهو مراد له ويثيبهم وإن لم يقبلوه بأن فعلوا خلافه فما فعلوه مراد له ويعاقبهم، وسنذكر عن مولانا أبي الحسن علي بن محمد العسكري (عليهما السلام) ما يدل على بطلان التفويض بهذا المعنى، ومن العجائب أنهم يقولون: إرادة الشيطان لا مرد لها وإرادة الرحمن تتبدل باختيارهم كما يرشد إليه ما يأتي في باب ما أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بالنصيحة لأئمة المسلمين «قدري يقول: لا يكون ما شاء الله ويكون ما شاء إبليس - الحديث» (قال: فسئلا هل بين الجبر والقدر) يعني التفويض وقد عرفت أن القدر يطلق على التفويض أيضا (منزلة ثالثة؟ قالا: نعم أوسع مما بين السماء والأرض) الغرض من تشبيه هذه المنزلة المعقولة بالمنزل المحسوس وتفضيلها عليه هو الإيضاح والمبالغة في سعتها، وسر ذلك أنه تعالى لما علم من الخلق صنفين من الفعل وهما الخير والشر ركب فيهم آلتهما المؤثرة التي هي القدرة ولم يخلق فيهم آلة الخير فقط وإلا لكانوا مجبورين في الخير والشر وإذا كان فيهم آلتهما كانوا قادرين عليهما، وإذا كانوا قادرين اقتضت الحكمة حصرهم وتعبدهم بإرسال الرسل وتقرير الشرائع وتوجه الأوامر والنواهي ثم تداركهم بعد ذلك عند كل فعل وترك بالألطاف والعنايات والتدبيرات والاختيارات التي يشاهد بضعها في نفسه بعض العارفين وهذه منزلة عريضة (1) وسيعة طويلة لا يعلم أقطارها ونهاياتها وحدودها وغاياتها إلا الراسخون في العلم،

1 - قوله «منزلة عريضة» توهم التناقض بين القضاء اللازم واختيار الإنسان أوجب توهم نفي الواسطة، والتحقيق أنه لا واسطة بين النفي والإثبات لا بين كل مفهومين متخالفين ولا ريب أن الجبر والاختيار متناقضان لا واسطة بينهما ولكن ليس الجبر مرادفا للقضاء بل القضاء بمعنى علم الله تعالى بما يقع ويمكن أن يعلم وقوع الفعل اختيارا والحاصل أنه تعالى جعل لكل شيء سببا وعلة كالشمس للإضاءة والنار للإحراق، فإذا علم أن الشيء الفلاني يحترق فلابد أن يحترق في الوقت الذي تعلق علمه به بالنار التي جعلها علة له ولا يوجب ذلك أن يحترق بغير نار ويسلب العلية عن النار وكذلك إذا علم أن فلانا يموت بمرض جعله سببا لموته لا يوجب أن يموت بغير ذلك المرض وإذا علم أن فلانا يصير غنيا بكسب وتجارة أو بدعاء مثلا لا يوجب أن يغني بغير ذلك السبب فلا يجوز لمن علم بخير المخبر الصادق أنه يصير غنيا أن يترك الكسب والدعاء فكما علم الله وقوع المسبب علم وقوعه بذلك السبب بعينه وإذا علم أنه يدعو ويكسب ويتجر باختياره لا يوجب ذلك أن يصدر عنه بغير اختياره، وههنا نكتة وهي أن الدعاء المأمور به المرغوب فيه في جميع الأديان لدفع البلايا وجلب الخيرات لا يستلزم تغيير القضاء بل هو من القضاء الأول كما أشرنا إليه فيما سبق ولا يلزم منه القول بالبداء الباطل ولا يوجب القول بالقضاء الإلهي ترك السعي والكسب والبطالة كما يتوهم. (ش)
(٢٨)
التالي
الاولى ١
٣٥٨ الاخيرة
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين 3
2 باب الاستطاعة 38
3 باب البيان والتعريف ولزوم الحجة 47
4 باب اختلاف الحجة على عباده 57
5 باب حجج الله على خلقه 60
6 باب الهداية أنها من الله عز وجل 68
7 باب الاضطرار إلى الحجة 75
8 باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمة (عليهم السلام)) 108
9 باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث 114
10 باب ان الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بامام 120
11 باب أن الأرض لا تخلو من حجة 121
12 باب أنه لو لم يبق في الأرض إلا رجلان لكان أحدهما الحجة 127
13 باب معرفة الإمام والرد اليه 129
14 باب فرض طاعة الأئمة 149
15 باب في أن الأئمة شهداء الله عز وجل على خلقه 160
16 باب ان الأئمة عليهم السلام هم الهداة 165
17 باب ان الأئمة عليهم السلام ولاة امر الله وخزنة علمه 167
18 باب أن الأئمة عليهم السلام خلفاء الله عز وجل في أرضه 172
19 وأبوابه التي منها يؤتى 172
20 باب أن الأئمة عليهم السلام نور الله عز وجل 175
21 باب ان الأئمة هم أركان الأرض 181
22 باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته 191
23 باب أن الأئمة (عليهم السلام) ولاة الامر وهو الناس المحسودون الذين ذكرهم الله عز وجل 250
24 باب أن الأئمة (عليهم السلام) هم العلامات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه 257
25 باب أن الآيات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه هم الأئمة (عليهم السلام) 259
26 باب ما فرض الله عز وجل ورسوله (صلى الله عليه وآله) من الكون مع الأئمة (عليهم السلام) 260
27 باب أن أهل الذكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الأئمة (عليهم السلام) 267
28 باب أن من وصفه الله تعالى في كتابه بالعلم هم الأئمة (عليهم السلام) 272
29 باب أن الراسخين في العلم هم الأئمة (عليهم السلام)) 274
30 باب أن الأئمة قد أوتوا العلم وأثبت في صدورهم 277
31 باب في أن من اصطفاه الله من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمة (عليهم السلام) 278
32 باب أن الأئمة في كتاب الله إمامان: إمام يدعو إلى الله وإمام يدعو إلى النار 280
33 باب [أن القرآن يهدي للإمام] 283
34 باب أن النعمة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه الأئمة (عليهم السلام) 284
35 باب أن المتوسمين الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه هم الأئمة (عليهم السلام) والسبيل فيهم مقيم 285
36 باب عرض الأعمال على النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) 288
37 باب أن الطريقة التي حث على الاستقامة عليها ولاية علي (عليه السلام) 290
38 باب ان الأئمة معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة 292
39 باب أن الأئمة (عليهم السلام) ورثة العلم، يرث بعضهم بعضا العلم 295
40 باب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم 298
41 باب أن الأئمة (عليهم السلام) عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز وجل وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها 306
42 باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة (عليهم السلام) وانهم يعلمون علمه كله 309
43 باب ما أعطي الأئمة (عليهم السلام) من اسم الله الأعظم 314
44 باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء (عليهم السلام) 317
45 باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله عليه وآله ومتاعه 320
46 باب أن مثل سلاح رسول الله مثل التابوت في بني إسرائيل 330
47 باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام 331
48 باب في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها 341
49 فهرس الآيات 351