شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٥ - الصفحة ٢٠٨
السابق
المواعظ والخطابيات المقنعة وإن كان صعبا يفتقر إلى استعمال البراهين القاطعة.
قوله: (الإمام كالشمس الطالعة المجللة) (1) يقال: جلل الشيء تجليلا أي عمه وأحاطه،
١ - «الإمام كالشمس الطالعة» لما ذكر (عليه السلام) شرائط الإمامة ووظائفها في حفظ الدين وصيانة أحكام الله تعالى وقد يذهب الوهم إلى أن هذا يمكن لعقلاء الناس الصلحاء العدول ويجوز أن يختاروا من علموا منه العلم والصلاح والقدرة والسياسة، بين (عليه السلام) بطلان هذا الوهم وأن هذه الشرائط بعيد المنال لا يمكن اجتماعها في آحاد الناس، وقد علمنا أن اجتماع الصفات الكثيرة في رجل بحيث يستأهل منصبا أو يتعهد وظيفة أقل كثيرا من وظائف منصب الإمامة أمر نادر غير محقق الوقوع إلا بعد طي قرون كشاعر فصيح عالم حكيم قادر على بث مكارم الأخلاق وغرسها في قلوب الناس، أو عالم ديني جامع بين المعقول والمنقول والحفظ ودقة النظر وذوق التفقه وقوة البيان والمهارة في صنعة التحليل والاقتصاد في الاستدلال بحيث ينتفع بكتبه فإنه قد لا يتفق بعد قرون وربما يرى العامة عالما في زمانهم ولا يحسبونه إلا كأحدهم ثم يمضي الزمان ويعلو شأنه كلما مضى وربما يمر مئات من السنين أو ألف ولا يظهر مثله ومثل كتبه فيعرف أنه كان بمقام شامخ بعيد المنال كالشمس والقمر والنجوم وكانوا يحسبونه قريبا منهم كما ظن فرعون أنه يقدر ببناء الصرح أن يطلع إلى السماء فلما بنى وعلا فوقه رآها كما كان يراها من الأرض وإذا كان هذا شأنه مثلا العلامة ونصير الدين الطوسي والمحقق والشهيد بل والفارابي وأبي علي بن سينا وأرسطو وإفلاطون فكيف بمقام الإمامة وشأنها ومنصبها فالإمام كالشمس يراها الناس قريبا منهم وهو في مقام ومكانة لا يقدر أحد مقدارها وهل يمكن لأحد غير أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يتكلم بما نقل في نهج البلاغة بحيث يخضع له البلغاء لبيانه والحكماء لبرهانه والفقهاء وسائر العلماء كل بما يناسب مهنته وكل يستحسنه ولم يأت أحد بمثله وكذلك سائر علوم الأئمة (عليهم السلام) ومع ذلك فاعتقادنا أن في كل زمان يوجد رجل بهذه الصفات التي يشترط في الإمام لحاجة الناس إلى مثله وعدم إخلال لطف الله تعالى وحكمته بهذا الواجب كما مر والاحتياج إليه كاحتياج الضال في البحر أو البر إلى هاد والظمآن إلى ماء بارد إلى آخر ما قال (عليه السلام) وكما أنه لم يهمل أمر السحاب والغيث وخلق الشمس والسماء والأرض والعيون والغدر والرياض وطبع في قلب الوالدين البر بالولد والمحبة كيف يمكن أن يهمل أمر الإمامة ولا يخلق رجلا بصفاتها مع أن احتياج الناس إليه أشد من احتياجهم إلى ما ذكر. (ش)